لطالما ارتبط السحر على مر الأزمنة بالخرافات، وأنها معتقدًا قديمًا يرجع إليه الشعوب تغير أحوال الأشخاص غير المبررة، ولكن جاء الإسلام بدلائل قوية على وجود السحر، وعلى حقيقة السحر بين أهل البيت، وكان البعض يرجعون للرسول حتى يسألونه في تلك المسألة.
فما حقيقة السحر في الإسلام؟ وما دلالته من القرآن والسنة؟ وما حقيقة السحر عند أهل البيت؟
تجد كل ذلك في المقال الآتي.
ما حقيقة ذكر السحر في الإسلام؟
السحر حق في الإسلام، وله دلائل قرآنية، ودلائل سنية كثيرة، وقلة من علماء الدين افتنوا بأن السحر هو وهم يوهم به المسحور، ولا وجود له.
وقبل التعرف على حقيقة السحر عند أهل البيت دعنا نخبرك أن أغلبية العلماء أجمعوا أن السحر حقيقة لا يمكن إنكارها، واستعانوا بدلائله في الإسلام، وتنقسم الأدلة إلى:
أولاً: الأدلة القرآنية
تعددت الأدلة القرآنية الدالة على حقيقة السحر في القرآن الكريم، ومنها:
سورة البقرة الآية 102
قول الله تعالى:”وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ “.
تروي الآية الكريمة حادثة هاروت وماروت الشهيرة، إذ أنزل الله الملكين فتنة للناس، ورغم تحذير الناس بأنهم فتنة واتباعهم كفر للذين آمنوا، إلا أن البعض أصر على تعلم السحر، وأذية بعضهم لبعض.
وقبل الحديث عن حقيقة السحر عند أهل البيت نستطيع إثبات وجود السحر، وفتنته لكثير من الناس على مر الأزمنة من خلال القرآن.
اقرأ أيضًا: علامات الشفاء بعد قراءة سورة البقرة: أهم 10 علامات للشفاء من الحسد والسحر
سورة يونس من الآية 76 حتى 82
يقول الله تعالى “فَلَمَّا جَآءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَـذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ* قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ أَسِحْرٌ هَـذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ* قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَآءُ فِي الأرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ* وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ* فَلَمَّا جَآءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُّوسَى أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ* فَلَمَّآ أَلْقُواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ* وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}
ذكرت سورة يونس في بعض آيات قصة النبي موسى -عليه السلام- ومواجهته للسحر، ففي بدء دعوته لفرعون، وصفه فرعون بأنه ما هو إلا ساحر، وتحداه بجلب أشهر وأمهر السحرة من البلاد، لهزيمته في تحدي السحر.
وقبل الخوض في شرح حقيقة السحر عند أهل البيت يجب أن تعلم هنا أن موسى -عليه السلام- استنكر وصفهم لرسالته الربانية بالسحر، وقال لهم إن الله مبطل السحر، وأعمال السحرة، وهو ما حدث في باقي القصة المشهورة لتحدي موسى للسحرة.
وهي أيضًا دلالة على السحر، وتبين الفارق الشديد بين أسحار البشر الباطلة، والقدرة التي وهبها الله لأنبيائه عليهم السلام.
سورة الفلق
﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾.
فسر العلماء آية “ومن شر النفاثات في العقد” بأنها دلالة على السحرة الذين ينفثون في عقد الخيط حين يرقين بها، وقال الطبري أن في الآية رقية من شر السواحر اللاتي ينفثن في عقد الخيط.
وجاء القرآن الكريم بذكر السحر والسحرة في مواضع أخرى كثيرة ليؤكد على حقيقة السحر في القرآن، وفي الإسلام، وسوء عاقبة السحرة، الذي يسعون لأذية الناس وتحدى الأنبياء.
ثانيًا: أدلة سنية
قبل معرفة حقيقة السحر عند أهل البيت دعنا نخبرك أن هناك أدلة سنية على وجود السحر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات)، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: (الشرك بالله، والسِّحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذْف المحصنات المؤمنات الغافلات).
حديث الموبقات هو من أشهر الأحاديث التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيه تأكيد لوجود السحر وشدة حرمانيته؛ فجاء ذكر السحر في الحديث بعد ذكر الشرك بالله مباشرة، وذلك لأن السحر وجه من أوجه الشرك؛ إذ فيه استعانة بالجن والشياطين، وقُدٍم على قتل النفس التي حرمها الله بدون وجه حق.
اقرأ أيضًا: تأثير السحر على حياة المسحور
ما حقيقة السحر عند أهل البيت؟
بالطبع أتفق أهل البيت على وجود السحر، لذكره أكثر من مرة في الأحاديث النبوية الشريفة وفي آيات القرآن الكريم، ومن الأمثلة المشهورة لحقيقة السحر عند أهل البيت، هي:
قصة سحر النبي
حقيقة السحر عند أهل البيت تتلخص في قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع الساحر اليهودي لبيد بن الأعصم، فعن السيدة عائشة -رضى الله عنها- قالت:
“سَحَرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ من بني زُرَيْقٍ يقال له: لَبيدُ بنُ الأعصم، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخَيَّل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم -أو ذات ليلة- وهو عندي، لكنه دعا ودعا، ثم قال: ((يا عائشةُ، أشَعَرْتِ أن الله أفتاني فيما استفتيتُه فيه؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عن رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجَعُ الرجلِ؟ فقال: مطبوبٌ- أي مسحور-، قال: من طَبَّه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء؟ قال: في مُشْطٍ ومُشاطة وجُفِّ طَلعِ نخلةٍ ذَكَر، قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذَرْوَان))، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه، فجاء فقال: (يا عائشة، كأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين)، قلتُ: يا رسول الله، أفلا استخرجْتَهُ؟ قال: (قد عافاني الله، فكرهت أن أثير على الناس فيه شرًّا)، فأمر بها فَدُفِنَتْ”
الرواية تبين حادثة السحر التي تعرض لها الرسول، وتجيب عن سؤال ما حقيقة السحر عند أهل البيت، فسحر لبيد بن الأعصم للرسول -صلى الله عليه وسلم- على بعض شعيراته، ويقال أنه حصل عليه من إحدى الجواري التي كانت تتردد على بيوت الرسول، إذ وضع لبيد السحر في بئر ذروان، وتأثر به النبي لمدة 40 يومًا، وقيل أن ذلك السحر اقتصر على تخيل النبي إتيان الشيء، مع عدم إتيانه، ولكنه لم يؤثر على الوحي.
قصة سحر امرأة لزوجها
ونجد أن السنة ذكرت حالة أخرى من حالات السحر، والتي يمكن ذكرها عند الإجابة عن سؤال ما حقيقة السحر عند أهل البيت، وهي المرأة التي سحرت لزوجها، فقال عمر -عليه السلام- أقبلت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إن لي زوجًا وبه غلظة علي، وإني صنعت شيئًا لأعطفه علي، فقال لها الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أفٍ لك كدرت البحار، وكدرت الطين، ولعنتك الملائكة الأخيار، وملائكة السماء والأرض.
وبعد ذلك بلغ النبي أن تلك المرأة صامت نهارها، وقامت ليلها، وحلقت رأسها، ولبست المسوح، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ذلك لا يقبل منها، وفسر العلماء ذلك الرد بثلاث تفاسير، فإما أن التوبة لا تقبل منها، لأن زوجها غير راضٍ عنها، أو أن تلك التوبة لا ترفع حد الساحر، وهو القتل.
والتفسير الثالث هو أن الساحر لا تنفعه العبادات في التقرب إلى الله مرة أخرى جزاء ظلمه للعباد، ولجوئه للسحرة الشياطين.
وذكرت عقوبة الساحر في أحد أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: “حد الساحر ضربة السيف”، ولكن اختلف العلماء في أمر تفكير الساحر، فأجمع الإمام مالك وأحمد وأبي خليفة على كفر الساحر.
بينما رأى الشافعي أن مسألة التكفير ترجع إلى السحر نفسه، فإن كانت طقوس السحر تتضمن تعظيم الكواكب والجن والشياطين، فهو كفر، وإن لم تكن تحتوي على مراسم تعظيم غير الله فهي ليست كفرًا، ولكنها ما زالت ذنب عظيم، وأجمع أغلب العلماء على قتل الساحر، والله أعلم.
وبالتالي نكون قد أجبنا عن سؤال ما حقيقة السحر عند أهل البيت، فالسحر حق، يؤمن به كل مسلم، ولكن لم تذكر السنة تعرض أحد أهل البيت للسحر إلا قصة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن كان هناك اختلاف عليها.
والأهم من إتقان معرفة حقيقة السحر عند أهل البيت هو تحصين نفسك بالرقية الشرعية، والأذكار، للوقاية من السحر وأذاه.