شهد تاريخ البشرية العديد من الأساطير والقصص المثيرة التي تتحدث عن وجود الجن، كائنات خارقة ذات قوى وقدرات غير عادية.
ومن أبرز الأسئلة الشائعة في هذا السياق هي: “أين مساكن الجن؟” هذا السؤال يثير فضول البشر منذ قرون، وقد أدى إلى العديد من الاعتقادات والنظريات حول مكان وجودهم.
نعرف في هذا المقال أماكن ومساكن الجن، فتابع معنا.
اعتقاد الثقافات المختلفة حول مساكن الجن
تختلف الأديان والثقافات في تصوراتها حول أين مساكن الجن، فنجد:
الأساطير العربية القديمة
ففي الأساطير العربية القديمة، يعتقد الكثيرون أن الجن يعيشون في الصحاري والبراري والأماكن النائية، ويروى أنهم يستقرون في الكهوف، والآبار، والأشجار المتساقطة.
وتقول القصص أن الجن يحمون هذه المساكن بشدة، وأنه يجب على البشر الامتناع عن اقتحامها، أو التلاعب بها لتجنب العواقب السلبية.
الأساطير الغربية
من جانب آخر، في الأساطير الغربية، تشير بعض الروايات إلى أن المساكن المفترضة للجن توجد في الغابات الكثيفة، والأماكن المظلمة.
وتقول الأساطير أن الجن يميلون إلى الاختباء والتلاشي في هذه الأماكن، وأنهم يظهرون فقط لأولئك الذين يستحقون رؤيتهم، أو لأولئك الذين استدعوهم بطرق سحرية معينة.
ما روي عن مساكن الجن في القرآن والسنة
تعددت الأقاويل، ولم يكن هناك أي إثبات واضح حول مساكن الجن في الأساطير القديمة، حتى جاء لنا القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة يبينان لنا أين مساكن الجن، فتلك الأماكن هي:
الأرض
يسكن الجن الأرض كما يسكن عليها الإنسان، قال تعالى: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) [البقرة: 36].
وفسر العلماء الآية على أن الهبوط لكلٍ من بني آدم وبني إبليس، وذلك بعدما خالف آدم وزوجه عليهما السلام أمر الله، وأكلا من الشجرة التي نهاهما الله عنها، بعد وسوسة الشيطان لهما.
ويقول الحسن في تفسيره لقوله تعالى: (وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ). [الرحمن: 10]
الأنام: أي كلٍ من الجن والإنس.
القرى والجبال والبحار
فعن بلال بن الحارث قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فخرج لحاجته، وكان إذا خرج لحاجته يبعد، فأتيته بإداوة من ماء، فانطلق فسمعت عنده خصومة رجال ولغطاً لم أسمع مثلها، فجاء فقال: بلال؟ فقلت: بلال، قال: أمعك ماء؟ قلت: نعم، قال: أصبت.
فأخذه مني فتوضأ قلت: يا رسول الله، سمعت عندك خصومة رجال ولغطًا ما سمعت أحدَّ من ألسنتهم، قال اختصم عندي الجن المسلمون والجن المشركون، فسألوني أن أسكنهم، فأسكنت المسلمين الجلس، وأسكنت المشركين الغور).
قال الراوي عبد الله بن كثير: (قلت لكثير: ما الجلس؟ وما الغور؟ قال: الجلس: القرى والجبال، والغور: ما بين الجبال والبحار، وهي يقال لها: الجنوب، قال كثير: ما رأينا أحداً أصيب بالجلس إلا سلم، ولا أصيب أحد بالغور؛ إلا لم يكد يسلم).
موضع قضاء الحاجة
عند الإجابة عن سؤال “أين مساكن الجن؟” فلا بد من ذكر تلك النقطة، فعن زيد بن أرقم رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إنَّ هذه الحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فإذا أتى أحدُكم الخَلَاءَ فَلْيَقُلْ: أعوذُ باللهِ مِنَ الخُبُثِ والخَبَائث). [حديث صحيح – رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد]
والمعنى: إن موضع قضاء الحاجة تحضره الجن والشياطين، ويترصدون فيه لبني آدم بالأذى؛ لأنه موضع انكشاف العورة، ولا يتم ذكر اسم الله فيه.
فإذا أتى المسلم إلى موضع قضاء الحاجة وقال: «أعوذُ باللهِ مِنَ الخُبُثِ والخَبَائث» فيعصمه الله من شر الشياطين، فيحتجب عن أبصارهم، فلا يرون عورته.
مبارك الإبل
وهو الموضع الذي تمكث فيه الإبل للشرب والراحة، فهو أيضًا من مساكن الجن، ففي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة: أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا توضأ. قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم فتوضأ من لحوم الإبل. قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم. قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا.
وفي سنن أبي داود عن البراء بن عازب قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الإبل؟ فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين. وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم؟ فقال: صلوا فيها فإنها بركة.
والمعنى في قوله: “فإنها من الشياطين”: أي أن الإبل خلقت من الشياطين، فهذا يدل على أن سبب النهي كون الإبل من الشياطين لا غير، فالإبل تعمل عمل الشياطين؛ لأن الإبل تنفر وتشرد كثيرًا، وقد تفسد على المصلي صلاته.
أين مساكن الجن في البيوت؟
لا توجد للجن بيوت مخصصة، فقد ذكرنا أغلب أماكن تواجده، ولكن في العموم يذهب للأماكن الفارغة والمهجورة، فإذا كانت البيوت ليس بها أحد، وتم هجرها منذ فترة فقد يذهب إليها الجن، ولكن لا يلحق ضررًا بها، ويوجد في البيت عدة مواضع تبين لنا أين مساكن الجن في البيت، فما روي لنا:
في الفراش
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: (فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ، وَفِرَاشٌ لِامْرَأَتِهِ، وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ، وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ).
والمعنى أنه ما زاد عن الحاجة ولم يُستخدم دخل فيه الشيطان، فيجب التسمية قبل اتخاذه، إلى جانب أنه يستبيح النوم في البيوت التي لا يُذكر فيها اسم الله.
في الخلاء
فكما ذكرنا من قبل، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْخَلَاءَ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ).
أما بالنسبة للمواقد فلا نعلم ما يدل على أنها مأوى للشياطين، ولم نرى حديث أو أثر للتابعين على معنى ذلك، ومثلها التماثيل، ليس هناك ما يدل على أن الشياطين تختفي وراءها، لكن لا شك أن الأماكن التي توجد بها المعاصي يتواجد فيها الشيطان؛ لأنها توافق طباعه وأعماله.
أماكن أخرى يتواجد بها الجن
يتواجد الجن في أماكن أخرى من ضمن الأماكن التي ذكرناها في أين مساكن الجن، وتلك الأماكن هي:
الخيام
فتقول الأعراب: ربما نزلنا بجمع كثير، ورأينا خيامًا وقبابًا وناسًا، ثم فقدناهم من ساعتنا، يعتقدون أنهم الجن، وأن تلك خيامهم وقبابهم، فقد يسكن الجن الصحراء والخيام الموجودة بها، فيجب أخذ الحيطة هناك أيضًا.
مواضع النجاسة والأماكن المهجورة
استكمالًا للإجابة عن سؤال “أين مساكن الجن؟” نجد أنه غالبًا ما يتواجدون الجن في مواضع النجاسة، والأماكن المهجورة، ويتخذونها مساكنًا لهم، لذا لا بد من ذكر الله قبل دخولها، للتحصين من أذى الجن.
تعرّف أيضًا هل يمس جن المقابر الإنسان؟ وما أعراضه وعلاجه؟
ما يمنع الشياطين من المبيت في بيوت الإنس؟
يُمنع الشيطان من المبيت في بيوت الإنس عند التسمية، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إِذَا دَخَل الرَّجُل بَيتَه، فَذَكَرَ اللهَ -تَعَالَى- عِندَ دُخُولِهِ، وَعِندَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيطَانُ لِأَصْحَابِهِ: لاَ مَبِيتَ لَكُم وَلاَ عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَم يَذْكُر الله -تَعَالَى- عِندَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيطَان: أَدْرَكْتُمُ المَبِيت؛ وَإِذا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ -تَعَالَى- عِندَ طَعَامِه، قالَ: أَدرَكتُم المَبِيتَ وَالعَشَاءَ». [رواه مسلم]
وعَنْ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلا وَفِي سَقْفِ بَيْتِهِمْ مِنَ الْجِنِّ مِنَ المسلمين، إذا وضع غذائهم نَزَلُوا فَتَغَدَّوْا مَعَهُمْ، وَإِذَا وَضَعُوا عَشَاءَهُمْ نَزَلُوا فَتَعَشَّوْا مَعَهُمْ، يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِمْ عَنْهُمْ.
فيجب التسمية قبل الأكل، والحمد بعده، ويحفظ الله المسلم من أي سوء.
تعرف على أبرز علامات عامر البيت وكيفية التخلص منه بطريقة شرعية
الخلاصة
كان ذلك أهم ما جاء في أين مساكن الجن، وأماكن تواجدهم، فقد أشارت الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية إلى وجود الجن، وتفاعلهم مع العالم البشري.
تشمل مساكن الجن الصحاري، والبراري، والمناطق المظلمة، والمهجورة، ولكنهم أيضاً يمكن أن يتواجدون في المنازل والأماكن العامة. ويتأثرون بالنجاسة والأوساخ والأماكن غير المطهرة، ولذلك ينصح بمعرفة أين مساكن الجن، والتحصن قبل دخولها.
ومن المعروف أيضاً أن الجن يميلون إلى الانحراف والتسبب في المشاكل والإضرار بالبشر، ويروى في الأحاديث النبوية قصصاً عديدة عن تدخل الجن في حياة الناس وتسببهم في المرض والمشاكل العائلية والنفسية، وبالتالي فاحرص دائمًا على الاستعاذة بالله من شرور الجن، والتحصن بالأذكار.