الجن عالم مثل عالم البشر، فيه أجناس وطوائف مختلفة، ولكل صنف منهم طباعه، وصفاته، وكذلك نوع طعامه، وشرابه، حتى أن قدراتهم وقواهم تختلف من جني لآخر.
ومما يقع فيه الاختلاف أيضًا أماكن سكنهم، فمنهم الخُبث الذين يسكنون الخلاء، ومنهم عمار البيوت، وكذلك الأرواح، وجن المقابر.
فما هي تفاصيل مساكن الجن؟ ومن هم جن المقابر، وكيف تحصن نفسك منهم؟ هذا ما نوضحه في المقال، فتابع معنا.
مساكن الجن
يشترك الجن معنا في سُكنى الأرض، قال الله تعالى: “قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ”
يقول ابنُ عاشور في تفسير هذه الآية: “الخِطابُ لآدَمَ وزَوجِه وإبليسَ، والأمرُ تَكوينيٌّ، وبِهِ صارَ آدَمُ وزَوجُه وإبليسُ من سُكَّانِ الأرضِ”.
وذكر الحسن في تفسير قوله تعالى: “وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ”، أي: الجن والإنس.
فقد يتواجدون معنا حتى بالبيت الواحد، ويكثر تواجدهم في الخلاء ومَواضِعُ النَّجاساتِ، ويدل على ذلك ما رواه زَيدِ بن أرقَمَ عَن رَسولِ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أنَّه قال: “إنَّ هذه الحُشوشَ مُحتَضَرةٌ، فإذا أتى أحَدُكُمُ الخَلاءَ فليَقُلْ: أعوذُ باللهِ مِنَ الخُبُثِ والخَبائِثِ”.
كذلك ينتشرون في المقابر والأماكن المهجورة، وكل مكان نُهي عن الصلاة فيه؛ فالجن تسكنه، يقول ابنُ تَيميَّةَ: “الأماكِنُ الَّتي يُنهى عَنِ الصَّلاةِ فيها كأعطانِ الإبلِ والحَمَّامِ هيَ مَأوى الشَّياطينِ، وكَذلك ما يُسافِرُ إليهِ بَعضُ النَّاسِ مِنَ المَغاراتِ ونَحوِه مِنَ الجِبالِ، قاصِدين لتَعظيمِ تِلكَ البُقعةِ بالشَّامِ ومِصرَ والجَزيرةِ وخُراسانَ وغَيرِها، وكُلُّ مَوضِعٍ تُعظِّمُه النَّاسُ غَيرَ المَساجِدِ ومَشاعِرِ الحَجِّ فإنَّه مَأوى الشَّياطينِ”.
فوجود الجن في المقابر أمر وارد، وذلك لدوام هجر تلك الأماكن لفترات طويلة، إلى جانب النهي عن الصلاة فيها، مما يجعلها مسكنًا مهيئًا للشياطين.
لكن هل يقع الأذى من جن المقابر على الإنسان؟ وما أسباب مسه له؟
هل يمس جن المقابر الإنسان؟
وقوع الأذى من الجن وارد مهما كان نوعه أو صفاته، خاصةً مردة الجن الذين يسكنون النجاسات، والأماكن المهجورة، مثل جن المقابر، والخلاء، والجحور.
لكنه لا يستطيع إيذاءك إلا إذا هيأت له الأسباب لذلك، ومن بينها:
- الوقوع في المقابر، فقد يؤذى بسبب ذلك؛ فيرد لك الأذى.
- رفع الصوت في المقابر خاصة في الليل.
- الصراخ والعويل في المقابر.
- عدم ذكر الله عند القبور.
- المبيت في المقابر.
لذا احرص على التزام آداب زيارة القبور دائمًا، مع الحفاظ على ذكر الله عند زيارتها، وألا تذهب لها منفردًا، بل في صحبة من البشر، وذلك لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن السير منفردًا، خاصةً بالليل، لأن الوحدة تزيد من كيد الشيطان، وتسلطه عليك.
اقرأ أيضًا: أنواع الجن المتلبس بالإنسان
لكن في حالة أصابك جن المقابر بأذىً، فما العلامات التي قد تدلك على ذلك، وكيف تُعالج نفسك؟
علامات الإصابة من جن المقابر
الحذر لا يمنع من القدر، فقد تحتاط دائمًا، وتأخذ بالأسباب من التحصين، والأذكار، وغيرهما، ثم يشاء الله أن يمسك جن المقابر بأذى، وحينها تظهر علامات تدل على إصابتك، ومن بينها:
- إصابة المريض بالعشى الليلي، وهو ضعف البصر وعدم القدرة على الرؤية جيداً في الليل، أو في الإضاءة الخافتة.
- ظهور بقع أو دمامل حمراء في البدن، تصاحبها حاجة شديدة للهرش.
- حب المصاب للمقابر، والجلوس في الخلوات، والفلوات، والحقول.
- إمساك الجن لأحد أعضاء الجسد، مثل القدم، أو اليد، أو غيرهما.
- رؤية الموتى والقبور في المنام، أو الإحساس بدنو الأجل.
- الإحساس بسخونة في البدن.
قد تكون الأعراض السابقة علامة على وجود مرض جسدي أو نفسي أيضًا، لذا إذا أحسست بشيءٍ منها؛ فابدأ أولًا بزيارة طبيب كفء مع إجراء الفحوصات اللازمة.
فإن لم تجد سببًا طبيًا لما تعانيه؛ وكانت فحوصاتك سليمة لا تدل على وجود مرض؛ فحينها قد تكون مصابًا بالمس من جن المقابر، وتكون الرقية الشرعية هي علاجك.
الرقية الشرعية للمصاب بأذى من جن المقابر
الرقية الشرعية شفاءٌ، وتحصين -بإذن الله- ولا يقدر عليها شيطان، فإن أصابك جن المقابر بمس؛ التمس دواءك في آيات وأدعية التحصين الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن بينها:
سورة الفاتحة
فقد ثبت أن الصحابة كانوا يسترقون بها، وأقرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها، ويدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: “أن ناساً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا في سفر، فمروا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم فلم يضيفوهم، فقالوا لهم هل فيكم راق؟ فإن سيد الحي لديغ أو مصاب، فقال رجل منهم: نعم، فأتاه فرقاه بفاتحة الكتاب فبرَأ الرجل، فأعطي قطيعًا من غنم فأبى أن يقبلها، وقال: حتى أذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له، فقال: يا رسول الله، والله ما رقيت إلا بفاتحة الكتاب، فتبسم وقال: وما أدراك أنها رقية؟ ثم قال: خذوا منهم، واضربوا لي بسهم معكم”
سورة البقرة
ورد في فضل سورة البقرة الكثير من الأحاديث والآثار، وهي شافية -بإذن الله- من أذى جن المقابر، سواءً كان أذاهم بسبب مس أو سحر، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها: “…إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة”.
المعوذات
قراءة المعوذات شفاءٌ للمس، والسحر، والعين، وبهما كان يُحصن النبي نفسه، روى ابن ماجة عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدريّ -رضي الله عنه- قَالَ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَعَوَّذُ مِنَ الجَانِّ، وَعَيْنِ الإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتِ المُعَوِّذَتَانِ، فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا، وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا”.
ورُوي عن عائشة، رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بقل هو الله أحد وبالمعوذتين جميعا، ثم يمسح بهما وجهه، وما بلغت يداه من جسده” قالت عائشة: “فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به”.
ونُقل عن ابن القيم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سحر في إحدى عشرة عقدة، وأن جبريل نزل عليه بالمعوذتين، فجعل كلما يقرأ آية منهما انحلت عقدة، حتى انحلت العقد كلها وكأنما نشط من عقال.
سورة الصافات
ومما يُسترقى به من جن المقابر أيضًا سورة الصافات، خاصةً أول عشر آيات منها، فقد روى الحاكم، والبيهقي عن أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: “كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ لِي أَخًا وَبِهِ وَجَعٌ، قَالَ: وَمَا وَجَعُهُ؟ قَالَ: بِهِ لَمَمٌ، قَالَ: فَأْتِنِي بِهِ فَأَتَاهُ بِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَعَوَّذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَأَرْبَعِ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ…. وَعَشْرِ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الصَّافَّاتِ…”
الأدعية والأذكار
ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الكثير من أذكار وأدعية التحصين، ومن بينها:
باسم الله أرقيك
روى مسلم في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: “أنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فقالَ: يا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ؟ فقالَ: نَعَمْ، قالَ: باسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِن كُلِّ شَيءٍ يُؤْذِيكَ، مِن شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ، أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللَّهُ يَشْفِيكَ، باسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ”
أعوذ بكلمات الله التامة
ذكر البخاري في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعوذ الحسن والحسين ويقول: “إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة”
أعيذك بعزة الله وقدرته من شرّ ما تجد
ورد في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أحس بمرض يضع يده على محل المرض ويقول: “بسم الله ثلاثًا، أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر”
فيمكنك التماس الشفاء من جن المقابر عن طريق قراءة الرقية، ثم النفث في يديك والمسح بهما على كامل جسدك، أو قراءتها على ماء طاهر والشرب منه، والاغتسال به.
ختامًا، إصابتك من جن المقابر قد تعطل حياتك، فهي بمثابة اجتماع أعراض كل من المرض الجسدي والنفسي في آن واحد، رغم ذلك فعلاجها يسير، وأول خطوة فيه أن توقن أن الله الشافي، وبيده الضر والنفع، ثم تواظب على ترديد الرقية الشرعية حتى تُشفى.