هل ينام إبليس أم لا؟ وما الأدلة التى وردت في ذلك؟

هل ينام إبليس أم لا؟

تلقى علماء الإسلام العديد من الأسئلة المختلفة والمثيرة للجدل حول عالم الشياطين والجن، ومن ضمن هذه الأسئلة: “كان هل ينام إبليس أم لا؟” 

وللإجابة عن هذا السؤال، يجب علينا معرفة آراء العلماء في ذلك، وطبيعة إبليس، ومخططاته للإنسان، وهذا ما نوضحه من خلال المقال، فتابع معنا.

آراء العلماء في الإسلام حول مفهوم نوم إبليس

هناك العديد من الآراء المختلفة حول هذا الموضوع، فمن ناحية، يعتقد البعض أن إبليس لا ينام أبدًا، لأنه مخلوق دائمًا في حالة نشاط.

ومن ناحية أخرى، يعتقد البعض الآخر أن إبليس ينام مثل البشر، لكنه ينام لفترة أقصر، وهنا نقسم الآراء إلى قسمين، ونوضح رأي كلا الطرفين:

الرأي الأول: إبليس لا ينام

حين سُئل الشيخ حسن البصري هل ينام إبليس أم لا؟ قال:” لو نام لوجدنا في ذلك راحة “، فقد اعتبر العلماء  أن إبليس لا يمكن أن ينام لأنه يعد عدوًا للإنسان، وهو يستغل أي فرصة لتضليله وإغوائه، وتستند آرائهم إلى عدة أسباب، منها:

آيات قرآنية تعكس أن إبليس لا ينام

ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي ترد على هذا السؤال، وتشير إلى أن إبليس يسعى دائمًا إلى إغواء البشر ليلًا ونهارًا، ومن ضمن هذه الآيات قوله تعالى: “يا بَنِي آدم لا يفتِننَكمُ الشَيطَانُ كَمَا أَخرج أبويكُم مِن الجنَةِ ينزعُ عَنهُما لِباسهُما لِيرِيهُما سَوْآتِهمَا”. (سورة الأعراف – الآية 27).

وأيضًا قول الله تعالى في سورة النساء:”وكان الشيطَان للْإِنسانِ خذُولًا”، وقوله تعالى: “إِنَ الشَيْطَانَ لكُم عَدوٌّ فاتَخِذوهُ عَدوًّا”. (سورة فاطر – الآية 6).

هذه الآيات تشير إلى أن إبليس يسعى إلى هدف أساسي وهو إغواء البشر، وإخراجهم عن طريق الله تعالى، مما يدل على غرابة طرح سؤال نوم إبليس من عدمه، فمن الطبيعي أن يكون نشيطًا في جميع الأوقات لفعل ذلك. 

الأحاديث المذكورة للرد على هل ينام إبليس أم لا

ورد في السنة النبوية العديد من الأحاديث التي تشير إلى أن إبليس لا ينام، فقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم: “إن الشيطان يأتي الإنسان فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا قال: الله، قال: أبعدك الله، وأبى أن يجيب”.

ويؤكد هذا الحديث الشريف إلى الحاجة للوعي الدائم لمخططات إبليس، ويوحي أنه بسبب تلك المخططات يظل الشيطان في حالة يقظة دائمة ولا ينام. 

وورد حديث آخر  عن جابر قال “قال النبي صلى الله عليه وسلم “إذا استجنح الليلُ أو كان جُنح الليل فكفوا صبيانَكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلّوهم، وأغلق بابَك واذكر اسمَ الله، وأطفئ مصباحَك واذكر اسمَ الله، وأوكِ سقائَك واذكر اسمَ الله، وخمِّر إنائَك واذكر اسمَ الله ولو تعرض عليه شيئًا” رواه البخاري.

وفسر هذا الحديث على أن الشياطين تنشط ليلًا ولا تنام صباحًا، مما يدل على يقظتهم طوال اليوم، وذلك رد كافٍ على التساؤل المطروح هل ينام إبليس أم لا؟ 

اقرأ أيضًا: ما السبب وراء منع خروج الأطفال وقت المغرب؟

بالإضافة إلى هذه الأدلة، يعتقد بعض العلماء أن إبليس لا ينام أبدًا لأنه مخلوق خارق للطبيعة، فهي مخلوقات غير مادية، ولا تخضع لقوانين الطبيعة نفسها التي تخضع لها الكائنات الحية، لذلك، فإن لديهم قدرات مختلفة، مثل القدرة على العيش بدون نوم.

الرأي الثاني: إبليس ينام

أدلة تثبت نوم إبليس

يعتقد هذا الرأي أن إبليس ينام لكن، ليس مثل البشر، فهو ينام فترة قصيرة. ويستند هذا الرأي إلى عدة أسباب، منها:

طبيعة إبليس

إبليس مخلوق خارق للطبيعة، ولكنه لا يزال مخلوقًا، وبما أنه مخلوق، فمن الطبيعي أن ينام ويرتاح عند التعب، أو أن لديه على الأقل أوقات للاستراحة، حيث يأخذ وقتًا لتجديد مخططاته، والعمل على إغواء البشر.

عرش إبليس

روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة”.

وذلك دلالة على وجود مكان يستريح فيه إبليس، وينام حتى لو لفترة قصيرة.

رأي ابن القيم

هناك العديد من الأدلة التاريخية التي ترد على التساؤل المطروح عن هل ينام إبليس أم لا، وهو ما ذكره ابن القيم في كتابه “إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان”، فقد قال: “إن الشيطان ينام مثل الإنسان، ولكنه لا ينام إلا قليلًا، ولا يحصل له راحة ولا نعيم”.

هل ينام إبليس أم لا؟ وهل يأخذ قيلولة مثل البشر؟

قد ورد الرد على هذا السؤال في أحاديث ذكرت عن النبي صلى عليه وسلم، إذ قال عبد الله بن أحمد، كان أبي ينام نصف النهار شتاًء كان، أو صيفًا، لا يدعها ويأخذني بها ويقول قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سمعت رسول الله يقول: “قيلوا فإن الشياطين لا تقيل” رواه الطبراني.

ويعد ذلك أيضًا ردًا على السؤال المطروح عن نوم الشياطين، فلا يوجد وجه تشابه بين الإنسان والشياطين، وغير مستحب التماثل بيننا في أي شيء.

وروي أيضا عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: نومة نصف النهار تزيد في العقل، وعن ابن عباس مرفوعًا” وروى الخلال عن أنس رضي الله عنه قال: “ثلاث من ضبطهن ضبط الصوم من قال وتسحر وأكل قبل أن يشرب”

وذلك يؤكد أن القيلولة في الإسلام ليست محرمة، بل على العكس، وقد ذكر في القرآن الكريم قول الله تعالى: “أصحابُ الجنةِ يومئذٍ خَير مستقرًّا وَأحسنُ مقِيلًا”. (سورة الفرقان – الآية 24).  

حيث يخبرنا الله تعالى في هذه الآية أن أهل الجنة يوم القيامة يكونون في أحسن مكان للاستقرار، لأن من نعيم الجنة الراحة وأخذ قيلولة، لذلك هى أمر مستحب في الدين. 

ولكن يشترط في أخذ القيلولة ألا تؤدي إلى تراكم الأعمال، وتضييع الصلوات الواجبة، ويجب أن تكون معتدلة ومناسبة للوقت والحاجة.

بالإضافة إلى أن الأدلة التي تم ذكرها تؤكد عدم أخذ الشيطان لقيلولة، وحتى إذا نام لفترة قصيرة أو متقطعة، لا تدل على أنه يقيل مثل البشر، والأهم من سؤال هل ينام إبليس أم لا، هو معرفة كيف كان ينام النبي صلى الله عليه وسلم والتشبه به.

كيف كان ينام النبي عليه الصلاة والسلام؟

سنة النبي صلى الله عليه وسلم في النوم

نقل إلينا عن طريق الإمام ابن القيم رحمه الله، في وصف نوم الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه كان يتميز بنمط نوم صحي ومعتدل، لذلك وضح الأمام عدة جوانب حول كيفية نوم النبي صلى الله عليه وسلم، منها مايلي: 

النوم على الجنب الأيمن

كان النبي صلى الله عليه وسلم يفضل النوم على جنبه الأيمن، وقد أخبر النبي عن ذلك في الحديث الشريف الذي يقول:

“إذا أتيت مضجعك، فاستفرغ على شقك الأيمن، وقل:اللهم إني أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، ثم قال فإن مت من ليلتك مت وأنت على الفطرة” رواه البخاري. 

إذ يخبرنا رسول الله في الحديث عن آداب مقابلة الله عند النوم، وتسليم الروح لخالقها.

الاعتدال في النوم

النبي كان يحث على الاعتدال في النوم وعدم الإسراف فيه، وقال ابن القيم، لم يكن يأخذ من النوم فوق القدر المحتاج إليه، ولا يمنع نفسه من القدر المحتاج إليه منه.

وكان يفعل ذلك على أكمل الوجوه، فينام إذا دعته الحاجة إلى النوم، وهذا يشمل عدم الاستسلام للكسل والفراغ في النوم الزائد، وذلك أيضًا دليل على عدم التشابه بيننا وبين الشياطين.

النوم على الطهارة

كان النبي ينام في حالة طهارة، ويفضل الوضوء قبل النوم. حيث ورد عن النبي: “إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن” (مسلم) وذلك لأن من بات طاهرًا كان معه ملك يستغفر له، ويبعد عنه الشيطان، وذلك يجيب على سؤال هل ينام إبليس أم لا؟ لأنه يترصد بنا حتى في نومنا. 

التلاوة للآيات القرآنية قبل النوم

قد كان النبي يقرأ الآيات القرآنية الخاصة بالحفظ والاستعاذة من الشيطان قبل نومه، حيث نقل عن السيدة عَائشةَ رضي الله عنها: عنَ النَبي صلَّى اللَّه عليه وسلم، كان إذا أوى إلى فرَاشه كلَ ليلَة: “جمع كفيهِ، ثُمَ نفث فِيهمَا، فقرأَ فيهِمَا، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحدٌ، وقُلْ أَعُوذ بِربِّ الْفَلَقِ، وقُلْ أَعُوذ بِربِ النَاسِ، ثُمَ يمْسحُ بهما ما استطاعَ من جسدِه، يبدأ بهما على رأسهِ ووجههِ وما أقبل من جَسدهِ، وكان يفعلُ ذلكَ ثَلاث مرَات”، والمقصود بالنفث: نفخ لطيف بلا ريق. رواه البخاري.

ما الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام في النوم؟

نرى العديد من الأدلة الثابتة في النوم عن النبي عليه الصلاة والسلام، والتى فيها مراعاة الحفظ من الشيطان الذي لا ينام حتى بعد نومنا، ويعد ذلك إجابة على التساؤل حول هل ينام إبليس أم لا؟ واختلاف حاجته للنوم عن البشر، ومن ضمن هذه الأدلة ما يلي: 

النوم على البطن

قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عادة النوم على البطن، حيث روي عن أبي ذر قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا مضطجع على بطني، فركضني برجله، وقال: “يا جنيدب، إنما هذه ضِجعة أهل النار” وفي رواية أخرى قال: “هذه نومة يبغضها اللَّه”.

النوم وقت المغرب

حيث ذكر عن النبي عليه الصلاة والسلام حديثٍ يقول فيه: “يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها”. متفق عليه، وهو الأمر الذي جعل الأئمة تصرح بكراهة نوم المغرب إلى صلاة العشاء والسمر بعدها، لعدم معرفة الاستيقاظ وقت صلاة الفجر بسبب ذلك. 

الخلاصة

في نهاية هذا البحث للإجابة عن سؤال “هل ينام إبليس أم لا” نجد أن له عدة جوانب مختلفة، وآراء عديدة، لكن مما لا شك فيه أنه يوضح لنا كيف أن الشيطان يكون للإنسان عدوًا مبينًا.

وأننا يجب أن نتسم باليقظة والذكاء في التغلب عليه، والاتجاه إلى التعبد، واتباع تعاليم الدين الإسلامي، ومنهج النبي محمد عليه الصلاة والسلام في حياتنا.

المصادر

كتاب آكام المرجان في غرائب الأخبار وأحكام الجان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *