جاء في القرآن والسنة ما يؤكد تأثير الجن على الإنسان، والإيمان بوجود الجن وتأثيره على حياة البشر هو جزء أساسي من عقيدة المسلمين.
ويتجلى هذا التأثير في العديد من الأشكال، منها صرع الجن، فما أسباب صرع الجن للإنس؟ وكيف يمكن علاج تلك الحالة والوقاية منها؟
نجيب عن ذلك بالتفصيل من خلال المقال، فتابع معنا.
ما هو مفهوم الصرع؟
قبل الخوض في أسباب صرع الجن للإنس دعنا نخبرك أن الصرع مرض عصبي، وهو حالة تتسم بنوبات تشنجية مفاجئة تؤثر على نشاط الجهاز العصبي، وتختلف مدة النوبة تبعًا لحالة الشخص، فقد تحدث لمدة قصيرة، أو تستمر لمدة أطول، ومن أبرز أعراضها:
- الحركات اللاإرادية
- فقدان الوعي
- التشنجات
وتتعدد أسباب الصرع، فقد ينتج عن خلل في الجسم، وحينئذ يتطلب الأمر تناول الأدوية الطبية، وفي بعض الحالات يكون السبب الرئيس هو تعرض الجن للإنس، وهنا يحتاج المريض إلى راقٍ شرعي.
المنظور الديني لصرع الجن للإنس
في الإسلام، توجد العديد من الآراء والتفسيرات التي تثبت أذية الجن للإنس، ومن ضمنها قول الشيخ أبو العباس رحمه الله: إن الجن قد يصرع الإنسان لشهوة وهوي، ويعد ذلك أحد أسباب صرع الجن للإنس، فقد ينتج عن ذلك حدوث علاقة بينهما، وذلك بالطبع أمر غير محلل.
وهناك العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تشير إلى دخول الجن جسد الإنس، إذ يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “الذين يأْكلُون الربا لا يقومُون إِلاّ كما يقُوم الّذي يتخبطُه الشيْطان مِن المسِّ” (سورة البقرة – الآية 275).
وقد ورد أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم” (رواه البخاري).
وقد روي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “إذا كان جنح الليل، أو أمسيتم فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهبت ساعة من الليل فخلوهم” (رواه البخاري ومسلم).
وتفسير الحديث يجعلنا ندرك ونحرص على عدم أن هناك العديد من أسباب صرع الجن للإنس، ومن ضمنها خروج ولعب الأطفال في هذا الوقت من الليل، لأن الشياطين والجن تكثر وتنتشر في هذه الساعة، وقد يصرع أو يفزع الطفل دون أن يعلم بذلك.
إلى جانب ذلك اتفق أهل السنة على ثبوت دخول الجن وصرعه للإنسان، إذ قال أيضًا عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: قلت لأبي: إن أقواماً يقولون: “إن الجني لا يدخل بدن المصروع، فقال: يا بني يكذبون، هذا يتكلم على لسانه”.
وأيضًا قال الشيخ صالح الفوزان في شرح كتاب التوحيد: الجن يمسُّون الإنس ويخالطونهم ويصرعونهم، وهذا شيء ثابت، لكن من جَهَلَة الناس من يُنكر صَرْع الجن للإنس، وهذا لا يَكْفُر.
لأن هذه مسألة خفيّة، ولكنه يُخطّأ فالذي يُنكر مسّ الجن للإنس لا يُكَفَّر، ولكن يضلّل، لأنه يُكذِّب بشيء ثابت أما الذي يُنكر وجودهم أصلاً فهذا كافر.
ما هي أسباب صرع الجن للإنس؟
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجمع الفتاوى الجزء الثالث عشر أن صرع الجن للإنس هو لأسباب ثلاثة وهي:
1- حب الجن للشخص المصروع
قد يحدث أن يكون الصرع بسبب الجن العاشق للإنسان، فيصرعه للشهوة والهوى، حتى يتمتع به، ويأتيه الجن في صورة حسنة، وهو يعد من الفواحش التي حرمها الله تعالى، وحرم على الإنس كذلك وجود علاقة بينه وبين الجن.
فاستكمالًا لأسباب صرع الجن للإنس، قد ينتهز الجن العاشق فرصة عدم التزام الإنسان بالعبادات وارتكاب الأخطاء مثل: التعري الدائم أمام المرآة، الإعجاب بجسده، ويبدأ يعجب به الجن سواء كان الإنسان ذكر ، أو أنثى.
ومن علامات الجن العاشق، وظهور الجن على الإنسان تتشابه إلى حد كبير ومن أهمها:
- حدوث حالة من التعصب عند سماع القرآن، أو الأذكار.
- استثارة جنسية مستمرة، واحتمال زيادة الاحتلام.
- تجنب الزواج أو إذا كان متزوجًا ينفر من شريكه.
- البعد عن الدين والصلوات وقراءة القرآن.
- الصداع المستمر دون أسباب.
- فقدان الوعي والشرود.
اقرأ أيضًا: علامات خروج الجن العاشق من الجسم
2- أذية الشخص للجن
الجن كائنات خفية لا نعلم أو نشعر متى تتواجد حولنا، وقد يؤذي الإنسان الجن دون أن يدري، وهنا ينتقم منه الجن، وذلك من أبرز أسباب صرع الجن للإنس.
ومن أمثلة أذية الإنس للجن نوضح بعض ما ذكره الشيوخ:
- رمي الحجارة في البئر، أو في الأماكن الخالية دون ذكر اسم الله.
- إيذاء الحيوانات مثل الكلاب والقطط، خاصة السوداء.
- صب الماء الساخن في الحمام دون ذكر اسم الله.
- السقوط من أماكن مرتفعة بدون ذكر اسم الله.
- الصراخ والبكاء والغناء في دورات المياه.
- التبول في الشقوق وعلى بيوت الحشرات.
لذا وجب علينا الحرص من فعل أي من الأشياء السابقة، مع تجنب فعل ما قد يؤذيهم في الأماكن المتعارف تواجدهم بها، لأن الجن كائن ليس لديه القدرة على التمييز بما في داخلك من عدم قصد في إيذائه.
3- عبث الجن
أحيانا يكون من إحدى أسباب صرع الجن للإنس هو للعبث به كما يعبث السفهاء بالإنسان في الطرق، فيصرعه حتى يضله أو يشتت انتباه، أو بجعله ينفذ أشياءً منافية للشرع.
اقرأ أيضًا: أنواع الجن المتلبس بالإنسان
قصص تثبت دخول الجن جسد الإنس
إن أسباب صرع الجن للإنس موجودة ومثبتة عند أهل السنة، وهناك قصص حقيقة تؤكد دخول الجن لجسد الإنس مثل:
قصة المرأة المصروعة
روي في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لعطاء: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قال: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: “إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي، قال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، قالت: أصبر.
ولكني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها”، وتفسر القصة أن تلك السيدة كانت تعاني الصرع الجني، وتحاول أن تستر نفسها من كشف جسدها عند حدوث التشنج العصبي.
قصة الصبي الذي طهره رسول الله
روي أحمد في مُسنده وأبو داود في سُننه وأبو القاسم الطبرانيُّ من حديث أمِّ أبانٍ بنت الوازع عن أبيها، أن جَدَّها انطلقَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بابنٍ له أو ابنِ أختٍ له مَجنون، فقال: يا رسول الله، إن معي ابنًا لي أو ابنَ أختٍ لي مَجنون، أتيتُك به لِتَدعوَ اللهَ له. قال صلى الله عليه وسلم: “ائْتِنِي بِهِ قال: فانطلقتُ به حتى انتهيتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: “أدْنِهِ مني واجعلْ ظهرَه مما يَلِينِي” قال: “فأخَذ صلى الله عليه وسلم بمَجامع ثَوْبِه بين أعلاه وأسفله، فجعل يَضرب ظَهرَه، حتى رأيتُ بياضَ إبطِهِ”، ويقول: “اخرُجْ عدوَّ الله، ثم وجدنا الفتي اقبَلَ يعني المريض يَنظر نَظَرَ الصحيحِ ليس بالنظَر الأول، ثم أقعدَه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يَديْه فدَعا له بماءٍ فمَسَحَ وَجهه ودعَا له”، فلم يكنْ في الوَفد أحدٌ بعد دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يَفضُل عليه، يعني أفضل منه.
والتفسير الواضح من القصتين أنه عند حدوث صرع للإنسان، عليه الصبر والتقرب من الله عز والوجل، واتخاذ خطوات نحو العلاج بالقرآن والدعاء كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
علاج المصروع من الجن
بعد معرفة أسباب صرع الجن للإنس يأتي الدور على العلاج، وقد وضح الإمام ابن القيم في كتابه “زاد المعاد في هدي خير العباد” أن الصرع الناتج عن الجن يتم من خلال مواجهة هذه الأرواح الفاسدة بأخرى صالحة، حتى تتدافع الأرواح السيئة، وتعارض أفعالها وتبطلها.
وهنا نوضح طرق علاج ذلك مما وردنا عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي:
العلاج بالقرآن الكريم
يعد العلاج بالقرآن من العلاجات الأساسية للتخلص من صرع الجن، فالحمد الله الذي جعل لكل داء دواء، إذ يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا” (سورة الإسراء- الآية 82).
ولم يرد بشكل خاص آيات أو صور محددة للرقية من الصرع، وهناك بعض الاجتهادات التي توضح إمكانية قراءة سورة الصافات والجن للعلاج، وسورة البقرة، إذ تحفظ المنزل وتطرد الشياطين، وأيضًا بعض من السور القصيرة والآيات القرآنية نفصلها فيما يلي:
سورة الفاتحة
“بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* الْحَمْدُ للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ * الرّحْمنِ الرّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدّينِ * إِيّاكَ نَعْبُدُ وإِيّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ الضّآلّينَ” (سورة الفاتحة).
آية الكرسي
يمكنك قراءة آية الكرسي ضمن خطوات العلاج والوقاية من أسباب صرع الجن للإنس، وهي كالآتي:
“الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم”
سورة الإخلاص
“قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)”
سورة الناس
“قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)”
سورة الفلق
“قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)”
سورة البقرة – (الآيات من 286:285)
“آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)”
العلاج بالدعاء
ومن أعظم أسباب الشفاء أن يدعو الإنسان ربه بالعلاج من صرع الجن له، وأن يتقرب إلى الله عز وجل، مع اجتناب أسباب صرع الجن للإنس.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنّ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف” (رواه الترمذي).
إلى جانب ذلك، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية يرقي بها المريض إيًا كان مرضه، حديث عائشة رضي الله عنها، قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المريض فدعا له قال: “أذهب الباس رب الناس، واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً” (متفق عليه).
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله، أن هناك علاج من جهة المصروع، فقد أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام بقوة النفس في محاربة الجن وهذه الأمور الخفية، والصدق في التقرب إلى الله عز وجل، والتعوذ بشكل صحيح ودائم، حتى يسلم قلبك ولسانك كله لله عز وجل.
هل حركات المصروع من فعله أم من فعل الجن؟
علينا أن ندرك أن هناك صرع من الجن قد يصيب الإنسان ويكون حقيقيًا، وهناك صرع من وهم الإنسان، ويعود ذلك لسماع القصص، أو التخيل، فبالرغم من إجماع أهل السنة على تلبس الجني بالإنسي، لكن ليس معنى ذلك أن كل تخبط للإنسان يعد من صرع الجن للإنس.
وبالتالي، ليست كل التشنجات تعود لصرع الجن، فقد تكون ناتجة عن مرض عضوي يحتاج إلى تدخل طبي.
كيفية التحصين من صرع الجن للإنس
واحدة من الجوانب الهامة للتعامل مع أسباب صرع الجن للإنس هي التحصن من الجن، ومن طرق تحصين المسلم لنفسه:
- الحفاظ على الصلوات الخمس في أوقاتها وعدم إضاعة الفروض.
- التقرب إلى الله عز وجل بالدعاء للوقاية من الجن.
- الحفاظ على أذكار الصباح والمساء، وقبل النوم.
- الإكثار من تلاوة سورة (الإخلاص والمعوذتين).
- المواظبة على قراءة سورة البقرة بالمنزل يوميًا.
في النهاية، تعددت أسباب صرع الجن للإنس، ويجب على المصاب أن يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، ويستعيذ به من شرور خلقه، ويحرص على الأخذ بأسباب العلاج، مع الصبر على البلاء.
إلى جانب ذلك فيجب على الجميع تحصين النفس دائمًا بالأذكار، وقراءة القرآن، لتجنب الإصابة بصرع الجن.