هل يمكن أن يصل أذى الجن إلى حد إصابة الإنسان بالبكم؟ وما علاج البكم بالقرآن في تلك الحالة؟
لا تقتصر أعراض مس الجن على الوساوس، والمشكلات النفسية، ولا حتى الصرع فقط، بل قد يصل أذاهم إلى إتلاف أحد أعضاء الإنسان، أو إحداث الخلل به، وحجبه عن أداء وظيفته، وذلك مثل التأثير على حاسة السمع، أو الكلام.
فيجد المصاب نفسه فاقدًا للنطق فجأةً دون أي سبب واضح، ويمضي عمره على أبواب الأطباء باحثًا عن تشخيص لعلته، أو علاج لمرضه؛ فلا يجد إلا السراب، رغم سهولة العلاج!
لكن كيف نفرق بين البكم الناتج عن مشكلة عضوية والناتج عن المس؟ كيف يمكن علاج البكم بالقرآن؟ هذا ما نوضحه في المقال، وسنبدأ أولًا بتوضيح طبيعة المس وتأثيره على الإنسان.
طبيعة المس الشيطاني ومدى تأثيره
المس نوع من المرض له أسباب، وأعراض، وكذلك وسائل للعلاج، وهو حقيقة ثابتة حتى لو رفض الكثير من البشر تصديقها، يقول الله تعالى في سورة البقرة: “الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ”، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: “إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم”.
وكما أن للمرض أنواع عديدة، والنوع الواحد له درجات مختلفة، فكذلك المس تختلف أنواعه وفقًا لنوع الجني، ومدى شراسته وقوته، فنجد من بينها مس جن المقابر، والجن العاشق، والفيلسوف، وغير ذلك.
ولكل نوع منها درجات في الأذى وفقًا لطبيعة الجني نفسه، فبعضها يكون تأثيره خفيفًا يقتصر على الوساوس فقط، والبعض الآخر قد يصل بالإنسان إلى الشلل، أو الإصابة بالصمم، أو البكم وهو ما يعنينا في المقال، فما هو مس البكم؟ وكيف يمكن علاج البكم بالقرآن؟
المس بالبكم وكيفية حدوثه
المس بالبكم هو نوع من المس يمسك فيه الجني فم المريض، ويمنعه عن الكلام بشكل كلي، أو جزئي، وبيانهما كالتالي:
- البكم الجزئي، ويتكلم المصاب به بشكل طبيعي طالما كان الكلام عامًا، لكنه يفقد النطق تمامًا عند محاولة قراءة القرآن، أو ترديد الأذكار.
- البكم الكلي، يفقد فيه المريض الكلام بشكل تام
وتكون الإصابة بدون سبب عضوي أو نفسي واضح، ولا يتمكن الأطباء من تشخيصها ومعرفة أسبابها، وبالتالي يصعب وصف علاج ناجح، مع عجزهم عن التشخيص السليم، وفي تلك الحالة يكون علاج البكم بالقرآن فقط، فلا تنفع معه الجلسات الطبية.
ويحدث المس بالبكم نتيجة لإصابة الجني للمناطق المسؤولة عن النطق في جسم المريض، وذلك بواحدة من الطرق التالية:
- تسكين الأحبال الصوتية، فلا يستطيع المصاب النطق.
- إصابة المنطقة المسؤولة عن النطق في مخ المريض.
- لف الأحبال الصوتية على بعضها البعض.
- إصابة الجني نفسه بالخرس.
وقد يصاحب هذا المرض أعراض أخرى من أعراض المس الشيطاني، مثل: القلق، والاكتئاب، وغيرهما، فعلاج العرض وحده في تلك الحالة لا يفيد، إذ لا بد من علاج السبب نفسه -وهو المس-، وحينها ستختفي بقية الأعراض تدريجيًا، فما هو علاج مس البكم من القرآن؟
اقرأ أيضًا: أبرز أنواع الجن المتلبس بالإنسان | تعرف على 4 أنواع
طرق علاج البكم بالقرآن
لم ينزل الله داءً إلا وأنزل له دواء، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- “ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله”، ودواء المس يكون بالرقية الشرعية المناسبة له.
فيمكن علاج الممسوس بالبكم بالقرآن بطريقتين مختلفتين، وهما:
1- الطريقة الأولى علاج البكم بالقرآن
تعتمد هذه الطريقة على رقية المريض بقراءة آيات الزجر، والوعيد، والإنطاق، وذلك لإخافة الجني وطرده، وبيانها كالتالي:
1- آيات الزجر
هي أيات مفزعة ولها تأثير كبير على الجني، ودائمًا ما تستخدم مع حالات الممسوك بالسمع والكلام، وتتمثل في الآيات التالية:
- ” وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي ..” (سورة الأعراف: 143).
- ” وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ {} حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُر ُ ” (سورة القمر :5).
- دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ” (سورة الصافات: 9).
- ” فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ” (سورة النازعات: 13)
2- آيات الإنطاق
تقرأ آيات الإنطاق على الممسوس لتخويف الجني حينما يكون حاضرًا ولا يريد أن يتكلم، وهي:
- “تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ {8} قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ” (سورة تبارك:8، 9)”
- “وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ” (سورة فصلت: 21)
- ” يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ” (سورة ق: 30)
- “مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ” (الصافات: 92)
3- سورة الرعد
يقرأ المعالج سورة الرعد كاملة على كوب ماء، ثم يشرب منه الممسوس، فشرب الماء المقروء عليه هو إحدى الطرق الفعالة في علاج البكم بالقرآن.
4- آية الكرسي
يقرأ المعالج آية الكرسي سبع مرات على زيت الورد بنية النطق، ثم يوضع في فم الممسوس، إذ إن آية الكرسي لها فضل عظيم في إبعاد الشياطين.
روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: “..إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: الله لا إله إلا هو الحي القيوم… لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح..”.
5- المعوذتان وسورة الإخلاص
يقرأ المعالج المعوذتين وسورة الإخلاص في كفيه، ثم يمسح بهما على رقبة الممسوس حتى ينطقه، إذ لتلك السور فضل كبير في الرقية ودفع أذى الجن، وهي نافعة -بإذن الله- في علاج البكم بالقرآن.
ومما ورد في فضلها حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: كنت عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فجاء أعرابي فقال: يا نبي الله إن لي أخا وبه وجع، قال: وما وجعه؟ قال: به لمم، قال: فأتني به، فأتاه به فوضعه بين يديه، فعوذه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بفاتحة الكتاب… وقل هو الله أحد، والمعوذتين، فقام الرجل كأنه لم يشك شيئا قط”.
6- كتابة لا إله إلا الله على رقبة المريض
فيكتب المعالج كلمة التوحيد “لا إله إلا الله” على رقبة المريض بشكل واضح، حتى يمنع الجني من السيطرة على أحباله الصوتية.
2- الطريقة الثانية لعلاج البكم بالقرآن
تعتمد هذه الطريقة على قراءة بعض الآيات والسور على الممسوس لترغيب الجني، ودفعه للكلام، وتتمثل في التالي:
- قراءة سورة الفاتحة.
- قراءة آيات من سورة طه، وهي قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي﴾
- قراءة الآية 36 من سورة طه، وهي قوله تعالي: ﴿قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ﴾.
- قراءة الآية 46 من سورة آل عمران: ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾.
- قراءة سورة مريم من الآية 30 وحتى 36.
- قراءة آيات من سورة الأنبياء، وهي: فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ* وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ﴾ (سورة الأنبياء: 79،80).
أما إذا ظن المعالج بأن هذا الجني أخرس؛ فلا بد أن يأمره بكتابة مُراده، فإن رفض ذلك؛ فليأمره بالخروج من الممسوس، فإن رفض، فلا مفر من حرقه.
ختامًا، أذى الجن له درجات مختلفة، قد يصل بعضها إلى إتلاف أعضاء المصاب، أو منعها عن أداء وظيفتها، وذلك مثل إصابة الممسوس بالصمم أو البكم، وحينها يكون علاج البكم بالقرآن الكريم فقط، فلن تجدي معه الأدوية، ولا الجلسات الطبية ما دام سبب الإصابة موجودًا لم يعالج، والرقية السابقة ستفيدك في تلك الحالة بإذن الله.