إن الإنسان بطبعه يميل إلى العجلة، والرغبة في الحصول على كل شيء بسرعة، وذلك يعود لطبيعة ضغوط الحياة وسرعتها، وقد ورد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية توجيهات تشجع على فوائد التأني وعدم العجلة لما فيهما من تربية للنفس، وتحقيق فوائد للذات.
فهما من السمات القيمة التي يشجع عليها الدين الإسلامي، لذا نتناول من خلال هذا المقال فوائد التأني وعدم التسرع في الدين، وأثر ذلك على سلوكيات الإنسان وتصرفاته.
ما مفهوم التأني في الدين الإسلامي؟
يعكس مفهوم التمهل وعدم الاستعجال في الدين الإسلامي مجموعة من القيم والفضائل التي يشجع عليها الفرد، لتوجيه سلوكه إلى أفعال مدروسة تتناسب مع طبيعة حياته.
وقد تم تعريف التأني، على أنه سمة من سمات المؤمن، ويعني التفكير العميق والمدروس قبل اتخاذ القرارات المهمة في الحياة، واستثمار الوقت في التفكير عن العواقب المحتملة لهذه القرارات.
ما هي فوائد التأني وعدم العجلة؟
تتعدد فوائد التأني في أداء المهام اليومية، واتخاذ القرارات، ومن أبرزها:
تجنب الوقوع في الخطأ
التأني هو ميزة تعزز قدرة الإنسان على تجنب الأخطاء، والاحتياط قبل اتخاذ أي خطوة، وحين يأخذ الإنسان وقتًا للتفكير والتأمل قبل اتخاذ قرار مهم، فإنه يتيح لنفسه فرصة لمراجعة الخيارات المتاحة، وتقدير العواقب المحتملة.
مما يساعده على تجنب القرارات العشوائية، أو الخاطئة التي يمكن أن تؤدي إلى مشاكل، أو أخطاء كبيرة، لأن الإنسان العجول لا يعطي لنفسه الوقت الكافي للتفكير في جميع جوانب الموضوع، مما يزيد من فرصة اتخاذ قرارات غير صائبة.
المساعدة على تحقيق النجاح
من فوائد التأني وعدم العجلة، التركيز على تحقيق الأهداف، وبذل الجهد الكافي لتنفيذها بصورة صحيحة، مما يساعد على تحقيق النجاح في حياتك بشكل عام.
الصدق والصبر في العبادة
التأني في أداء العبادات والطاعات يعكس خشية الله والرغبة في إرضائه، ويحث الإنسان على العبادات بتأني وخشوع، ويعبر عن تفانيه واهتمامه بعلاقته مع الله.
فالله تعالى يقدر هذه الجهود، وقد ورد في الحديث الشريف قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه” (رواه البيهقي). فالتأني في أداء العبادات يساهم في تعزيز الروحانية والقرب من الله.
السلامة والتوازن في العمل
التعامل مع المهام اليومية والمسؤوليات بدون عجلة غير مبررة يجعلك تستطيع تنفيذها بطريقة أكثر أمانًا ودقة، مما يساهم في تحقيق التوازن بين الحياة الدنيا والدين، فالتأني يساعدنا على تفادي الإرهاق والتسرع الذي قد يؤدي إلى حدوث الأخطاء.
بالإضافة إلى أنه يساعد في تحقيق السلام النفسي، والتخلص من القلق والتوتر الذي يؤثر سلبًا على الصحة النفسية والجسدية.
كيف يؤثر التأنى على سلوكيات الإنسان وعلاقاته بالآخرين؟
من إحدى فوائد التأني وعدم العجلة أن له أثر إيجابي على سلوكيات الإنسان وتطويرها للأفضل، إذ يجعله أكثر حكمة وعقلانية وقدرة على التفكير السليم، ومن أهم الآثار التي يتركها التأني على سلوكيات الإنسان ما يلي:
- تطوير مهارات الدقة والإنجاز، لأنه يمنحك الفرصة للتفكير بعمق والتخطيط قبل بدء المهام.
- المساعدة على اتخاذ قرارات واضحة في العلاقات، إذ يزيد من فرصة فهم الموقف وتقديره.
- تعزيز القدرة على التحكم في انفعالاتك، واكتساب صفة الصبر وضبط ردود الأفعال.
- تحسين العلاقات الاجتماعية، والمساهمة في تعزيز التواصل الجيد.
- تعزيز القدرة على الالتزام وتحمل المسؤولية.
أدلة من القرآن والسنة على أهمية التأني
ذكر القرآن الكريم بعض الآيات التي تدل على أن الإنسان لديه صفة الاستعجال، وهو أمر غير مرغوب به، إذ قال الله عز وجل في كتابه: “وكان الإِنسَان عجُولًا” (سورة الإسراء: الآية 11).
وهذه الآيات تفسر كيف أن الإنسان طبعة الاستعجال وعدم التمهل، وذلك يوقع عليه ضررًا كبيرًا، وقد ذكر القرآن الكريم أيضَا عدة قصص للأنبياء عن التعامل مع التأني وعدم الاستعجال، منهما:
قصة خلق سيدنا آدم
حين خلق الله عز وجل سيدنا آدم عليه السلام، نفخ فيه الروح فأحيا الرأس واللسان والعينين، ولم يصل إلى الأسفل بعد، فقال له سيدنا آدم عليه السلام ربِ استعجل بخلقي قبل غروب الشمس، وكان ذلك تفسيرًا لقول الله سبحانه وتعالى حين قال “خلق الْإِنْسَانُ من عجل” (سورة الأنبياء: الآية 37).
اقرأ أيضًا: أسباب رفض إبليس السجود لآدم وتفاصيل عقوبته على ذلك
قصة سيدنا موسي علية السلام مع عدم الصبر
أعطى القرآن لنا مثالًا حيًا عن فوائد التأني وعدم العجلة في القصة العظيمة التي حدثنا عنها الله عز وجل في كتابه بين سيدنا موسى عليه السلام وسيدنا الخضر عليه السلام.
وقد ورد في القصة كيف كان سيدنا موسى عليه السلام لا يستطيع الصبر، وانتظار تفسير سيدنا الخضر لأفعاله، فقد تعجل في إصدار الأحكام واتخاذ قرار التدخل أكثر من مرة، رغم أنه إذا صبر كان سيجد تبريرًا لتصرفات سيدنا الخضر، والتى كانت أفعال حسنة، ومأمور بها من الله عز وجل، وتعم بها الفائدة.
قصص النبي صلى الله عليه وسلم مع التأني
وقد وجدنا أن الله عز وجل في مخاطبته للنبي صلى الله عليه وسلم، قد طالبه بالتمهل في عدة آيات منها: آية 37 من سورة الأنبياء في القرآن الكريم حين قال الله تعالى”سأريكمْ آياتي فلَا تستعجلُون”، إذ طلب من النبي والتابعين له التحلي بالصبر والحكمة، وانتظار إنزال غضبه على العاصين والمكذبين.
إلى جانب ما ذكر من أدلة بالقرآن، فقد ورد حديثًا عن النبي عليه السلام، قال ابن السني في كتاب (الإيجاز): حدثنا أحمد بن داود بن عبد الغفار حدثنا أبو مصعب الزهري، حدثنا عبد المهيمن بن العباس بن سهل عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأناة من الله عزّ وجل والعجلة من الشيطان»
وهذا تفسير يوضح أن من فوائد التأني وعدم العجلة هو عدم التشبه بالشيطان، وذلك دلالة على أن صفة التسرع غير محمودة للإنسان، وبالتالي علينا البعد عن كل الصفات التي تجمعنا به، وفعل الأشياء التي يحبها الله ورسوله والاهتداء بها.
بالإضافة إلى أنه نقل إلينا قصة بين النبي صلى الله عليه وسلم والأشج عبد القيس حين قال له:” إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله؛ الحلم والأناة” رواه البخاري ومسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب التأني، ويحب من يتصف به.
ونُقل لنا أيضًا في السيرة النبوية عن الرسول عليه السلام أنه كان يتصف بالتمهل والصبر، وعدم التعجل في الحكم على الأشياء من الظاهر فقط، وقد كان يطالب الصحابة في الحروب بالتمهل في اتخاذ القرارات.
وعند إسلام أحد الكفار حتى لو كان خوفًا يجب تركه وعدم استباحة قتله، حتى وإن كانوا يعلمون أنه لن يكمل على الإسلام، وذلك تأني من الرسول حتى يسلم ذلك الشخص ظاهرة وباطنة، ويتبع الدين الإسلامي.
الخلاصة
فوائد التأني وعدم العجلة عديدة، والتأني من الصفات الحميدة التي يجب أن يتحلى بها الإنسان في جميع جوانب حياته، إذ يساعد الإنسان على تحقيق الهدوء، والصبر، والدقة، والإنجاز.
وقد عملنا أن العجلة من الشيطان، لذا احرص على التمهل في أداء مهامك، واتخاذ قراراتك.