ما هو فيلسوف الجن؟ وكيف يمكن التخلص منه؟

فيلسوف الجن وأبرز علاماته وطرق علاجه

الجن عالم مختلف عن عالمنا، إلا أننا نشترك معهم في بعض الصفات مثل: العقل، والإدراك، والتكليف بأحكام الشرع، والقدرة على اختيار طريق الخير أو الشر.

ومما يتفق وجوده بين الجن والبشر هو تعدد الطوائف والمذاهب، واختلاف مستويات العلم والجهل، فنجد بينهم الجن الفيلسوف، وصاحب العلم، وكذلك التافه، والجاهل.

ولكل نوع منهم صفاته، وعلاماته، وكذلك طرق علاجه، ونتناول في هذا المقال تفاصيل فيلسوف الجن، فتابع معنا.

إثبات العقل والإدراك عند الجن

الجن مكلفون بالدليل النقلي عن الله تعالى، والنبي -صلى الله عليه وسلم- وإجماع أهل الثقة من العلماء، يقول الله تعالى: “وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ والإِنسَ إِلَّا لِيَعبُدُون”، وفي سورة الجن: “قُل أُوحِيَ إِلَيّ أَنَّهُ استَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعنَا قُرءَانًا عَجَبًا * يَهدِي إِلَى الرُّشدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُشرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا”.

وقوله تعالى:”يَا مَعشَرَ الْجِنّ وَالْإِنْسِ أَلَم يَأتِكُم رُسُلٌ مِنْكُم يَقُصُونَ عَلَيْكُم آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُم لِقَاءَ يَومِكُم هَذَا”، فتدل الآيات السابقة على تكليف الجن مثل الإنس.

ويدل على ذلك من السنة ما ورد فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم-:”بعثت إِلَى الْأَحْمَر وَالْأسود”، وفسره بعض العلماء بالإنس والجن، إذ تقول العرب عن الجن أسودة.

ويؤيد ذلك المعنى ما رواه شمة بن مُوسَى من حَدِيث ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- أَنه قَالَ: “أرْسلت إِلَى الْجِنّ وَالْإِنْس وَإِلَى كل أَحْمَر وأسود”.

ويقول ابن حزم عن تكليف الجن: “وَكَثِيرًا مَا تذكر الْعلمَاء فِي تصانيفهم كَونه -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- مَبْعُوثًا إِلَى الثقلَيْن”.

ولأن التكليف الشرعي شرطه العقل والإدراك فدلت الآيات والأحاديث السابقة على توفر العقل، والتفكير، والفهم لدى الجن، وكذلك تدل على أنهم مخيرون في أفعالهم، إذ إن بعضهم يختار الإيمان، بينما يزل آخرون إلى هاوية الشرك.

وذلك العقل لا يقودهم فقط إلى الإيمان، أو الكفر، بل يجعلهم أممًا تختلف مذاهبهم، ومستويات علمهم وثقافتهم، فنجد بينهم الجني العالم، والفيلسوف، وكذلك الجاهل.

ما هو فيلسوف الجن، ولماذا يؤذي الإنسان؟

ما هو فيلسوف الجن، ولماذا يؤذي الإنسان؟

الفيلسوف هو نوع من الجن، يتسم بالجدل، وكثرة التفكير والفلسفة، وقد يكون مسلمًا، أو نصرانيًّا، أو يهوديًّا، وعادةً ما يلازم العلماء، أو طلاب العلم حتى يضلهم، ويثير في أنفسهم الشك.

فيأتي فيلسوف الجن للواحد منهم ويسأله من خلق هذا، ومن خلق هذا، حتى يصل إلى الله عز وجل، فيشكك الإنسان في وجود الخالق -سبحانه-.

وقد وردت أحاديث شريفة عن هذا النوع من الوسوسة، منها ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته”، وفي رواية أخرى “فليقل آمنت بالله”.

فيعمد فيلسوف الجن إلى غواية الإنسان، ودفعه إلى هاوية الشرك عن طريق وساوسه تلك، ولأنه يملك بعض العلم، ولديه القدرة على الجدال والمحاججة؛ فقد يفتن البعض بوساوسه.

فإن استسلم الإنسان لتلك الوساوس؛ اتخذه الشيطان وسيلة لإلقاء النظريات الفلسفية المشككة في أصل الخلق، وصحة الدين.

ولكن وجود تلك الوساوس لا يعني بالضرورة وجود فيلسوف الجن، إذ قد تكون مجرد وسوسة من الشيطان، وتندفع بالاستعاذة، فما العلامات الأخرى الدالة على وجوده؟

علامات وجود الجن الفيلسوف

تقتصر علامات فيلسوف الجن -عادةً- على الوساوس، والتأثيرات النفسية، إلا أن وساوسه تكون متكررة حتى تظن أنها قادمة من عقلك، إلى جانب أنه يؤثر تدريجيًا على طريقة تفكيرك، وطباعك الشخصية، ومن أبرز علاماته:

  • تكرار ذكر المصاب للمسائل الجدلية والولع بها، مثل: قضية وجود الله، وكيفية الخلق.
  • التشكيك في المسلمات، والبدهيات الإسلامية.
  • عدم الاستجابة للحق ولو كان واضحًا.
  • حب المصاب للمجادلة والمخالفة.

فإذا وجدت في نفسك تلك الأعراض؛ فلتستعذ بالله، ولتبدأ علاج السبب، حتى لا تعاودك من جديد.

علاج المصاب بأذى من فيلسوف الجن

علاج المصاب بأذى من فيلسوف الجن

الخطوة الأولى للعلاج تكون بالاستعاذة، يقول الله تعالى: “وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطَانِ نَزغٌ فَاستَعِذ بِالّلهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم”، وفي آية أخرى يقول تعالى: “وَقُل رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِن هَمَزَاتِ الشَّيَاطِين * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحضُرُون”.

مع نهي النفس عن التفكير في تلك الوساوس كما ورد في الحديث السابق: “فليستعذ بالله ولينته”، خاصةً إذا كانت الوسوسة هي أصل تفكيرك، ولم تأت نتيجة شبهة عرضت لك.

يقول ابن الجوزي عن ذلك: “فليعرض عن مساكنة الفكر بعد هذا، فإن كل خصم ربما انتهى جدله، ووسوسة الشيطان لا تنتهي، فليس إلا التعوذ وقطع المساكنة لها، وإنما يستعين إبليس على هذه الوسوسة بالحس لا بالعقل، والحس لم يعرف وجود شيء إلا من شيء وبشيء، فأما العقل فيقطع على وجود خالق ليس بمخلوق”.

أما إذا كانت تلك الوساوس أتت نتيجة شبهة؛ فلتدفع الشبهة أولًا بالأدلة النقلية، والعقلية الواردة عن العلماء والأئمة السابقين، مع التزامك بذكر الله والاستعاذة من وسوسة الشيطان وكيده، وعن هذا المعنى يقول القاضي عياض: 

“أما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبْهة فإنها لا تُدفَعُ إلا باستدلالٍ ونظر في إبطالها، ومن هذا المعنى حديث: لا عدوى، مع قول الأعرابي: فما بال الإبل الصحاح تجربُ بدخول الجمل الأجرْب فيها، وعَلمَ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه اغترَّ بهذا المحسوسِ، وأن الشبهة قَدَحَتْ في نفسه، فأزالها عنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من نفسه بالدليل، فقال له: فمن أعدى الأول؟”.

ومعنى كلامه أن الأعرابي وقع في شبهة أن لكل شيء خالق أو مُوجد خارجي عنه، ومن ذلك عدوى الإبل بالجرب، فإنها تصاب بها إذا خالطت غيرها ممن يحمل ذلك المرض، فرد عليه النبي حتى يعالج أصل الشبهة بقوله: “فمن أعدى الأول؟” أي أول ناقة أصيبت بذلك المرض من أين أتتها العدوى؟ ويكمل القاضي عياض:

“وإذا صحَّ وجود جربٍ من غير عدوى، بل من الله سبحانه، صح أن يكون جربُ هذه الإبل من نفسها لا من غيرها”، ولله المثل الأعلى، فإنه واجد للكون وما فيه، وليس قبله شيء.

ويدل كلام القاضي عياض -رحمه الله- على جواز دفع الشبهة بالأدلة العقلية -إذا كانت هي سبب الوساوس-.

إلى جانب المحافظة على قراءة الآيات والأحاديث التي تبعد فيلسوف الجن، ومنها:

  • الآيات والأحاديث التي تدعو إلى الخوف من الله، وأداء الأمانة، والإخلاص في القول والعمل.
  • آيات الترهيب من كتم العلم، وتبديل اليهود والنصارى لدينهم من أجل الدنيا
  • الآيات والأحاديث التي تسوق الأدلة على وجود الله وخلقه لهذا العالم.

هذا مع التفكر في خلق الله، والمحافظة على ترديد الأذكار، وآيات الرقية الشرعية في كل يوم وليلة، لتطرد فيلسوف الجن وغيره من الشياطين، ومنها:

  • المعوذتان وسورة الإخلاص.
  • أوائل وخواتيم سورة البقرة.
  • سورة الفاتحة.
  • آية الكرسي.

وإن استطعت قراءة سورة البقرة كل ثلاثة أيام مرة؛ فافعل، فإنها تدفع الشيطان، وترد كيده، وتجعلك في حفظ منه.

اقرأ أيضًا: نصائح وطرق فعّالة للتغلب على الوساوس الشيطانية

الخلاصة

تسعى الشياطين ومردة الجن منذ بدء الخليقة إلى أذى الإنسان، وتكدير عيشه، ودفعه للكفر بخالقه، ولكل نوع منهم وسيلته التي ينتهجها للوصول لذلك، ووسيلة فيلسوف الجن هي الوسوسة المغلفة بأدلة وبراهين عقلية.

يكمن العلاج هنا في دفع تلك الوساوس والاستعاذة، مع المحافظة على ذكر الله، والتدبر في خلقه، وتلاوة آيات الرقية الشرعية، خاصةً المتعلقة بوحدانية الله وربوبيته، والحرص على تحصين النفس دائمًا من كيد الشياطين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *