تفاصيل اللقاء بين الرسول صلى الله عليه وسلم والجن

تفاصيل اللقاء بين الرسول صلى الله عليه وسلم والجن

في تاريخ الإسلام يمتلك الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مكانة فريدة ومميزة، إنه النبي الأعظم والأكثر تأثيرًا في حياة المسلمين حول العالم. ومن بين العديد من الجوانب الفريدة كانت هناك علاقة فريدة بين الرسول صلى الله عليه وسلم والجن.

لذا تعد قضية الجن والإيمان بها جزءًا من العقيدة الإسلامية، فالجن مخلوقات غير مرئية تعيش في عالم موازٍ لعالم البشر، ويعد القرآن الكريم مصدرًا رئيسًا للمعلومات حولهم.

نتعرف في هذا المقال على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعاملاته مع الجن وكيف كان اللقاء بينهما.

هل يدخل الجن في عموم بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-؟

لم يخالف أحد من الأئمة أن الله -تعالى- قد أرسل النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى الجن والإنس، ففي الصحيحين، عن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أَعْطَيْت خمْسًا لم يُعْطهنَّ أحد من الْأَنْبِيَاء قبلي.. إِلَى أَن قَالَ: وَكَانَ النَّبِي يبْعَث إِلَى قومه خَاصَّة وَبعثت إِلَى النَّاس عَامَّة).

وقد فسر العلماء في قوله “الناس عامة” المراد بها الإنس والجن معًا، وهذا ما فَضل الله به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد بُعث لكافة الإنس والجن، فأوجب صلى الله عليه وسلم الإنس والجن بالإيمان والطاعة، فيُحِل لهم ما أحل الله، كما يحرّم عليهم ما حرمه.

الرسول صلى الله عليه وسلم والجن

قد واجه الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- مواقف مثيرة تتعلق بالجن، فيُروى أنه كان يتحدث، ويتفاهم معهم، وكانوا يؤدون الواجبات الدينية معه، ويستمعون لتعاليمه. وأنه -صلى الله عليه وسلم- أقام تعاملات مع الجن في عدة مناسبات.

من أمثلة هذه المواقف، أنه كان هناك تعاملات بين الرسول صلى الله عليه وسلم والجن فكانوا يتسللون ليلاً إلى المسجد النبوي في المدينة المنورة، ويستمعون إلى مجالس الذكر والعبادة التي تقام فيه.

ويُذكر أن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ألقى خطبة في مكة دعا فيها الجن للإيمان بالإسلام، وكان هناك جن يستمعون له ويتبعونه.

وفود الجن إلى النبي صلى الله عليه وسلم

وفود الجن إلى النبي صلى الله عليه وسلم

يقول أهل العلم إنه قد تم لقاء الرسول صلى الله عليه وسلم والجن، ووفودهم إليه عدة مرات بمكة والمدينة، ولم يشعر أحد من الصحابة بذلك، حتى أخبرهم -صلى الله عليه وسلم-، وتلك المواضع هي:

1- الأودية والطرق وبين الجبال

والدليل: روى مُسلم وَأَبُو دَاوُد عَن عَلْقَمَة قَالَ: (قلت لِابْنِ مَسْعُود، هَل صحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْجِنّ أحد مِنْكُم؟ 

قَالَ: مَا صَحبه منا أحد، وَلَكنَّا كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة ففقدناه فالتمسناه فِي الأودية والشعاب فَقُلْنَا: استطير أَو اغتيل فبتنا بشر لَيْلَة بَات بهَا قوم، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذا هُوَ جَاءَ من قبل حراء فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله افتقدناك فطلبناك فَلم نجدك فبتنا بشر لَيْلَة بَات بِهِ قوم. 

قَالَ: أَتَانِي دَاعِي الْجِنّ فَذَهَبت مَعَه فَقَرَأت عَلَيْهِم الْقُرْآن، قَالَ: فَانْطَلق بِنَا فأرانا آثَارهم وآثار نيرانهم فَسَأَلُوهُ الزَّاد، فَقَالَ: لكم كل عظم ذكر اسْم الله عَلَيْهِ يَقع فِي أَيْدِيكُم أوفر مَا يكون لَحْمًا وكل بَعرَة علف لدوابكم، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَلَا تستنجوا بهما فَإِنَّهُمَا طَعَام إخْوَانكُمْ). رَوَاهُ الإِمَام أحْمَد

2- الحجون بمكة

قد اجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم والجن في الحجون، وهي منطقة في مكة وكان -صلى الله عليه وسلم- يتلو القرآن، فعن ابن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (بت الليلة اقرأ على الجن، وذكر أن ذلك كان بالحجون) صححه الشيخ ناصر الدين الألباني.

وكان ذلك بأعلى مكة، وانصاع في الجبال، وقال ابن مسعود: سألت الجنُّ رسول الله ﷺ في آخر ليلة لقيهم في بعض شعاب مكة، وسألوه الزاد.

3- بقيع الغرقد بالمدينة

وكان ذلك بحضور ابن مسعود، فيقول -رضي الله عنه-: خرج رسول الله ﷺ وفي يده عسيب نخل، فعرض به على صدري، فقال: انطلق أنت معي حيث انطلقت، قال: فانطلقنا حتى أتينا بقيع الغرقد، فخط بعصاه، ثم قال: اجلس فيها ولا تبرح حتى آتيك، ثم انطلق يمشي، وأنا أنظر إليه..) قال له سياق طويل: (أولئك وفد جن نصيبين).

4- خارج المدينة

وكان ذلك مع الزبير بن العوام، فيقول -رضي الله عنه-، أن النبي ﷺ لما صلى الصبح في مسجده في المدينة، فلما انصرف، قال: أيكم يتبعني إلى وفد الجن الليلة؟ فتبعه الزبير بن العوام -رضي الله عنه-. [الطبراني].

5- بعض أسفاره

وكان لقاء الرسول صلى الله عليه وسلم والجن أيضًا في الأسفار مع بلال بن الحارث فيقول -رضي الله عنه-: خرجنا مع رسول الله ﷺ في بعض أسفاره، وخرج لحاجته، وكان إذا خرج لحاجته يبعد، فأتيته بإداوة من ماء، فانطلق، وسمعت عنده خصومة رجال..، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم: أنه اختصم عنده الجن، يعني من المسلمين، والجن من المشركين. [الطبراني].

اقرأ أيضًا: هل هناك أنبياء من الجن؟ تعرف على تفاصيل ذلك

لماذا كان يحدث لقاء بين الرسول صلى الله عليه وسلم والجن؟

لماذا كان يحدث لقاء بين الرسول صلى الله عليه وسلم والجن؟

هناك عدة أسباب لمجيء الجن للرسول وحدوث لقاء بينهما، منها:

الاستماع إلى القرآن الكريم

كانوا يريدون الاستماع إلى القرآن وهو يُتلى، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: “فانطلق الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله ﷺ بنخلة، وهو عامد إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن تسمعوا له، فقالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، وهنالك رجعوا إلى قومهم، فقالوا: يا قومنا: (..إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ۝ يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ..) [سورة الجن:1، 2] 

ثم نزلت سورة الجن تخبرنا عن استماع الجن لكلام الله وهو يُتلى على لسان الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإيمانهم، وتصديقهم للرسول، فقد تعجبوا وقالوا لقومهم: (لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) [سورة الجن:19]

التعرف على الإسلام

كان أيضًا سبب لقاء الرسول صلى الله عليه وسلم والجن، لكي يتعرفوا على الإسلام والرجوع لقومهم منذرين، فقد جاءوا للنبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة، يسألون عن الأحكام، فسألوا النبي عن الطعام، ويقال إن وفد جن (نينوى) لقوا النبي بنخلة، وإن وفد جن (نَصِيبين) وكان ذلك بمكة.

والدليل حديث ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه أن الصحابة افتقدناك رسول الله فأصبحوا يبحثون عنه، فلم يجدوه فخشيوا أن يكون قد قُتل أو اختطف، ولما رأوه قال لهم  رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه أتاه رسول من الجن فذهب معه فقرأ القرآن على الجن، وانطلق الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالصحابة فأراهم آثار الجن وآثار نيرانهم.

تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بينهم

فكما ذكرنا ما جاء أن ذلك كان مع بلال بن الحارث -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ أخبره: أنه اختصم عنده الجن من المسلمين، والجن من المشركين.

كيف تعامل الجن مع النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع الوحي؟

كان يلتقي الرسول صلى الله عليه وسلم والجن، لكي يعلّمهم دينهم، ويستمعون إلى ما يتلوه من القرآن، بل كانوا أحسن إنصاتًا من الإنس، فعن جابر -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله ﷺ على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال: (لقد قرأتها على الجن ليلة الجن، فكانوا أحسن مردودًا منكم، كنت كلما أتيت على قوله: فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ قالوا: لا بشيء من نعمة ربنا نكذّب) [الترمذي].

ففي كثير من المواضع كانوا يغتنمون الفرص ويذهبون للرسول -صلى الله عليه وسلم- ويستمعون له وهو يتلو القرآن، فوُرِد أنهم استمعوا له في نخلة وهو لا يشعر، ولكن أخبره الله -تعالى- بذلك، (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ) [سورة الأحقاف:29].

وجاء عن ابن مسعود أيضًا رواية: أن النبي ﷺ خرج قبل الهجرة إلى نواحي مكة، قال فخط لي خطًّا، وقال: لا تحدثن شيئًا حتى آتيك.

فمن هذه الروايات والأحاديث نرى أن الجن كانوا يستمعون للرسول -صلى الله عليه وسلم- في كثير من الأحوال، وكانوا يتطلعون إلى التعلم، ومعرفة أحكام دينهم من حلال وحرام.

فيمكن القول إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان شخصية استثنائية في كل جوانب حياته، بما في ذلك علاقته بالجن، فكان لديه القدرة على التواصل معهم، واستخدم هذه القدرة لنشر الإسلام، وتوجيه الجن نحو الخير والعبادة الصحيحة. 

اقرأ أيضًا: تكليف الجن: هل الجن مكلف بنفس عبادات الإنس؟

الخلاصة

كان ذلك أهم ما جاء في مواقف وتعاملات الرسول صلى الله عليه وسلم والجن، فتُبرز هذه المواقف العلاقة الفريدة والاستثنائية التي كانت تجمع بين النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- والجن.

مع ذلك، يجب أن نؤكد أن الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يأخذ القرارات الهامة، أو يوجه دين الإسلام بناءً على مشورة الجن أو السحر. بل كان يتواصل معهم في سياقات محددة ولأغراض معينة، وما زالت القوانين الإسلامية تستند إلى القرآن والسنة النبوية كمصادر أساسية.

في النهاية، يظل الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- شخصية محورية في التاريخ الإسلامي، وعلاقته بالجن تعكس منحنى آخر من منحنيات حياته الروحية.

المصادر

آكام المرجان في أحكام الجان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *