هل هناك أنبياء من الجن؟ تعرف على تفاصيل ذلك

هل هناك أنبياء من الجن

من الشخصيات المذكورة في التراث الإسلامي هو “إبليس” أو “شيطان”، الذي كان من الجن ولم يكن من الملائكة، فيُروى أن إبليس رفض أمر الله بالسجود لآدم، مما جعله عدوًا للبشرية ومصدر إغواء وشر. 

ولكن مثلما هناك مسلمين وكفار من البشر، فهناك أيضًا من الجن من المسلم والكافر، فهل هناك أنبياء من الجن يبعثهم الله عليهم، أم أن نبي البشر هو أيضًا يُبعث للجن؟ 

هذا ما سنتعرف عليه في هذا المقال، فتابع معنا.

ما تعريف النبوة؟

تعد النبوة تشريف عظيم، ومكانة كبرى، ينعم بها الله على من يشاء من عباده، قال تعالى: (أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا). [مريم : 58].

و كلمة “النبوة” لغة: مشتقة من “النبأ” أي: الإخبار، وأيضًا تعني العلو.

أما اصطلاحًا: فيقول جمهور أهل العلم بأن النبوة تعني أن النبيّ يأتي برسالة سابقة يرسله الله تعالى بها، أما الرسول فهو مبعوث لقوله برسالة جديدة، فيكون كل رسول نبيًا، ولكن ليس كل نبي رسول.

ما الصفات الواجبة في الأنبياء والرسل؟

ما الصفات الواجبة في الأنبياء والرسل؟

هناك صفاتٌ يجب توافرها في الرسل -عليهم السلام- وهي:

الذكورة

 أن يكون الرسول ذكرًا وليس أنثى، لأن تبليغ الرسالة أمر عظيم، فيلزم ذلك قوة بدنية لتحمل ما قد يتعرض له من أذى ومشقة، والمعروف عن النساء أنهن يغلب عليهن العاطفة والرقة.

وما ورد لنا في القرآن الكريم أن الرسل والأنبياء كانوا من الإنس، فهل هناك أنبياء من الجن؟ هذا ما سنتعرف عليه من آراء العلماء تاليًا.

الصدق

يجب اتباع ما أمر به الله تعالى بكل صدق ونزاهة، في جميع الأقوال والأفعال، فلو اتصف الرسل بالكذب لن يصدقهم الناس، ويكون غير موثوق، فتفقد النبوة مسعاها.

وكما قلنا سابقًا فالمقصود بالنبوة هو الإخبار، فكيف سيتم نقل الأخبار الإلهية بالكذب!

العصمة

وهي أن يكونوا معصومين من اقتراف كبائر الذنوب التي قد يفعلها غيرهم من الناس، وذلك لأنهم القدوة الحسنة لغيرهم، فيقتدي بهم الناس فيما يفعلون. 

التّبليغ

أن يُبلِغ الرسول جميع ما أمره الله به لكافة الناس الذين أُرسِل إليهم، وعدم كتمان أي شيء، حتى لو علم بنفور قومه أو إعراضهم عنه.

الفطنة

وجب على الرسل أيضًا حسن المعاملة والرد الجيد في المناظرات التي تقام أثناء التبليغ، لإقامة الحجّة على الكافر، وإعلاء كلمة الله -تعالى-. 

هل هناك أنبياء من الجن؟

إن فهم وتقبل فكرة وجود أنبياء من الجن يتطلب منا مرونة في التفكير، والاستعداد لاستكشاف الأبعاد الروحية المختلفة وتنوع التفسيرات.

ولأن هذا الموضوع يعد مثيرًا للجدل والتساؤلات، ولذلك يتطلب منا البحث والدراسة العميقة، لنفهمه بشكل أفضل. 

وقد اختلف العلماء حول وجود أنبياء من الجن، فنجد:

رأي عام لأهل العلم

ويقول أهل العلم حول موضوع “هل هناك أنبياء من الجن” إن الرسل من الإنس دون الجن، وليس هناك أنبياء ورسل من الجن، وإنما قد يكون منهم نذير، ينقل إليهم ما سمع وعلم من غيره، والدليل:

  • قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى). [يوسف: 109]
  • قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأسْوَاقِ). [الفرقان: 20]
  • قوله تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ). [الأحقاف: 29]

فالله تعالى يرسل رُسلًا من جنس الإنس لهداية الإنس والجن معًا، ولا يرسل رسولًا من جنس الجن، وهناك نُذر من الجن يبَعثهمْ الله تَعَالَى فِي الأَرْض، فَيسَمِعُون كَلَام رسل الإنس -الَّذين هم من آدم-، ثم يعودون إِلَى قَومهمْ من الْجِنّ، فينذرونهم، ويخبرونهم بما سمعوا، وينشرون دين الله بين غيرهم من الجن.

رأي الشيخ ابن عثيمين

ويقول ابن عثيمين في مسألة هل هناك أنبياء من الجن أم لا، أن الله تعالى لم يُرسل رُسلًا من الجن، إذ يقول تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) [الحديد: 26].

والجن ليسوا من ذرية نوح ولا إبراهيم، إذًا فليس منهم رسل ولا أنبياء.

وأما في قوله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) [الأنعام: 30]، فيؤيد فيه رأي ابن كثير، أن الخطاب للجمع من الإنس والجن، ولكن الرسل تأتي من الإنس فقط، ففي قوله: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ): يقصد من أحد الجنسين.

والمراد برسل الجن هم النذر في قوله: (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى). [الأحقاف: 30]

رأي مقاتل والضحاك

ويرى أصحاب هذا القول في “هل هناك أنبياء من الجن” أن الله عز وجل قد أرسل أنبياء ورسلًا من جنس الجن، ويقول أيضًا ابن حزم: “صح يقينًا أنهم بعث إليهم أنبياء منهم”، والدليل:

قوله الله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ) [الأنعام: 130].

وعَن ابْن عَبَّاس قال إن الْجِنّ قتلوا نَبيا لَهُم قبل آدم اسْمه يُوسُف، وسُئل الضَّحَّاك عَن الْجِنّ، هَل كَانَ فيهم أنبياء قبل أَن يبْعَث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ ألم تسمع إِلَى قَوْله تَعَالَى: (يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس ألم يأتكم رسل مِنْكُم يقصون عَلَيْكُم)، ففسر معنى ذلك أَن هناك رسلًا من الْإِنْس، ورسلًا من الْجِنّ.

ومن يؤيد الضَّحَّاك حول “هل هناك أنبياء من الجن” يُقرون بوجود أنبياء من الجن، وأن الله أخبرنا أنه أرسل رسلًا من الجن إلى البشر.

وَيدل على مَا قَالَه الضَّحَّاك، قول ابْن عَبَّاس قَالَ: “وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ قَالَ سبع أَرضين فِي كل نَبِي كنبيكم وآدَم كآدمكم ونوح كنوح وَإِبْرَاهِيم كإبراهيم وَعِيسَى كعيسى”.

ولكن رد على ذلك الحافظ ابن كثير بنفس الآية، بقوله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ)، فالمراد أنه بعث للجنسين معًا رسلًا من الإنس، فقد كان الجن يستمع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يتلو القرآن.

أما عن الناحية اللغوية، فيمكن فهم الآية بشكلين:

إذا كان المقصود بالخبر (المعلومة) هو أن الرسل من الجن هم في الواقع رسل من البشر (الإنس)، فهذا يشير إلى أن النص يتحدث عن الرسل البشريين، ويستخدم تعبير “رسل الجن” بدلًا من “رسل البشر” بمعنى مجازي.

أما إذا كان المقصود بالخبر هو أن الرسل البشريين هم في الواقع رسل من الجن، فهذا يدل على أن النص يتحدث عن الرسل الجن، ويستخدم تعبير “رسل البشر” بمعنى مجازي.

رأي ابْن حزم

ويقول ابن حزم في مسألة هل هناك أنبياء من الجن، إنه لم يبْعَث الله إِلَى الْجِنّ نَبِي من الْإِنْس قبل محمدٍ -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم-، والله أعلم.

اقرأ أيضًا: تكليف الجن: هل الجن مكلف بنفس عبادات الإنس؟

النذر من الجن

النذر من الجن

علمنا من جمهور أهل العلم أن ليس هناك أنبياء من الجن، وإنما يوجد نذر – وهو القول الراجح، ويقول -تعالى-: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ) [الأحقاف: 29]، والمعنى أن الله بعث لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- مجموعة من الجن يستمعون إليه، وهو يقرأ القرآن فأسلموا، وأنصتوا لكتاب الله، مما يدل على شدة حرصهم على سماع كلام الله -تعالى-.

فعندما انصرفوا من مكانهم ورجعوا إلى عشيرتهم من الجن، كانوا هم المنذرين لهم، يأمرونهم باتباع كلام الله والبعد عما ينهاه، فكانوا منذرين من دون نبوة، ينقلون كلام نبي الله محمد -صلى الله عليه وسلم- 

اقرأ أيضًا: دلالات عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم للإنس والجن

الخلاصة

كان ذلك أهم ما جاء حول مسألة هل هناك أنبياء من الجن أم لا، فالرأي الراجح أن الأنبياء الذين ذكروا في القرآن، كانوا بشرًا عاديين، وليسوا من الجن، وأن هناك نذرًا يوصلون معلومات الدين لكافة الجن.

وفي النهاية يجب أن نتبع الأدلة والمصادر الدينية القوية والموثوقة عند مناقشة المسائل الروحية.

المراجع

كتاب آكام المرجان في أحكام الجان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *