ماذا تعرف عن الجن المسلم، وهل هو مؤذي؟

ماذا تعرف عن الجن المسلم، وهل هو مؤذي؟

دائمًا يرتبط لفظ الجن في ذهننا بالأسحار أو المس، أو غيرها من الأعمال الشيطانية التي تضر الإنسان، وفي هذا الزخم من القصص والأخبار تناسينا الجن المسلم، الذي يتبع ديننا الحنيف، ويساعد المسلم بكل ما أوتي من قدرة.

فما هو الجن المسلم؟ وهل يجوز تسخيره في الأعمال الصالحة؟ وهل جميع الجن المسلم غير مؤذي؟

تابع معنا المقال لتتعرف على الإجابة.

ما هو الجن المسلم؟

الجن أمم مثلنا، وقد بايعهم الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام مثلما بايع البشر، وأسلم منهم الملايين، ومنهم ما كان في منزلة الصحابة، وبشره الرسول بالجنة، ومنهم من بلغهم بتبليغ رسالته وقرأ عليهم القرآن.

ومنهم أيضاً من كفر واستكبر، وأبى أن يؤمن برسالة الإسلام، واختار أن يسلك طريق الشيطان الأول، الذي رفض السجود لآدم، وتوعد بتضليل نسله حتى يوم الدين، والوسوسة لهم بالشرك واقتراف المحرمات.

الجن المسلم مكلف بنفس العبادات التي كُلف بها مسلمي الإنس، ويقيمون شعائر الإسلام، ويلتزمون بأركانه الخمسة كما علمنا إياها رسولنا الكريم، ففي قوله تعالى “وأنّا لمّا سمعنا الهدى آمنّا بهِ ولن نشركَ بربِّنا أحدًا، وأنّه تعالى جَدُّ ربِّنا ما اتَّخذَ صاحبةً وَلا ولدًا” [سورة الجن: الآية 13]

دلائل وجود الجن المسلم من القرآن والسنة

دلائل وجود الجن المسلم من القرآن والسنة

من خلال القرآن والسنة استطعنا تجميع دلائل عن وجود الجن المسلم وكيفية تعاملهم مع الرسالة، ومنها:

آية استماع الجن للقرآن

ذكرت بعض الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة إيمان الجن وسماعهم للقرآن أول مرة، ففي الآية الكريمة
“قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا” صدق الله العظيم [سورة الجن: 1]

وجاء في صحيح البخاري عن عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما- قال: انطلق النبي –صلى الله عليه وسلّم- في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأُرسلت علينا الشهب، قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شئ حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء.

فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي –صلى الله عليه وسلّم- وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلى بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم وقالوا: “يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلي الرشد فأمنا به ولن نشرك بربنا أحدا”، فأنزل الله على نبيه: “قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ”.

آية تبليغ الجن بعضهم برسالة الإسلام

وجاء أيضًا في سورة الأحقاف” وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ۝ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيم” صدق الله العظيم [سورة الأحقاف: 29].

آية اعتراف الجن أن منهم الصالح والطالح

وفي قوله تعالى “وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا”صدق الله العظيم [سورة الجن: 11]،
تبين الآية خبر عن الجن يتحدثون فيه عن أنفسهم، بأن منهم الصالح الذي يطيع الله ورسوله، والكافر الذي يؤذي المسلمين، فقيل في تفسير طرائق قددا: أي منهم الكافر أو المؤمن أو أنهم يسلكون طرقًا مختلفة.

حديث إسلام قرين الرسول

والدليل الأخير على وجود الجن المسلم هو حديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- بأن لكل إنسان شيطان وملاك؛ إذ قال النبي: “ما منكم من أحد إلا معه قرينه من الجن وقرينه من الملائكة” وقالوا وأنت يا رسول الله؟، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأنا إلا أن أعانني الله عليه فأسلم” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

اقرأ أيضًا: أنواع الجن المتلبس بالإنسان | تعرف على 4 أنواع

هل يجوز تسخير الجن المسلم؟

أما في مسألة تسخير الجن في الأعمال الصالحة أو النافعة للإنسان كالرقية الشرعية مثلاً، أو إعادة المسروقات، فانقسم علماء الدين فيها إلى قسمين:

لا يجوز تسخير الجن عن أغلبيه العلماء

القسم الأول والذي أجتمع عليه أغلب الأئمة أن لا يجوز تسخير الجن لأي سبب، وحتى وإن كان المقصد خيرًا؛ وذلك لأنه:

  • شرك بالله سبحانه وتعالى
  • الجن لا يؤتمن، ولا يمكن التفرقة بين الصادق والكاذب منهم.
  • ليس من السهل إيجاد عالم مختص يمكنه التعامل معهم

ومن الأدلة القرآنية على هذا الرأي قوله تعالى: “وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا” [الأنعام: 128]

في تفسير الآية الكريمة يتوعد الله البشر الذين يسخرون الجن، ويستمعون لوسوسة الشياطين في مجادلة وإيذاء المسلمين، بالحشر مع الجن يوم القيامة.

والقسم الثاني بريادة شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمة الله عليه- رأي أنه لا ما مانع في تسخير الجن فيما يفيد الإنسان، مثل استخدام الجن المسلم في الرقية الشرعية أو في إعادة المسروقات، وإيجاد الضال.

فمن وجهة نظره أن الاستعانة بالجن في عمل الخير لا تختلف عن الاستعانة بأحد من الأنس في حل مشكلة أو مأزق ما، وأن طلب المساعدة من مخلوق لا يتعارض مع الإيمان بالقضاء والقدر، وبقدرة الله سبحانه وتعالى.

واستدل على ذلك بتسخير نبي الله سليمان لجيش من الجن لخدمته، ولكن نوضح أن قدرة سليمان على التسخير كانت هبة من الله سبحانه وتعالى، ولم يتسنى لغيره من البشر امتلاك تلك القدرة، وحتى رسولنا محمد- صلى الله عليه وسلم- لم يكن يسلم من أذى الجن.

ففي أحد الروايات المتفق عليها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي ذات مرة، فطلع عليه جان يريد أن يقطع عليه صلاته، فمكن الله النبي من هذا الجان وأمسك به، وأراد أن يربطه فى عمود من أعمدة المسجد؛ حتى يشاهده الناس فى الصباح، ولكن النبي تذكر دعوة سليمان -عليه السلام- “رب اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب” فترك الجان وعفا عنه.

وبالعودة لابن تيمية، فالفيصل الوحيد لديه في هذا الأمر، هو جواز الحاجة التي يبتغيها الإنسان من الجن، فإن كانت تحمل الصالح للإنسان ولا تضر غيره، فلا بأس بها، وإن كانت العكس، فهي ذنب عظيم يتوجب التوبة عنه.

هل الجن المسلم مؤذي؟

لا يختلف مسلمي الإنس عن مسلمي الجن كثيرًا، فمن الممكن أن يكون المسلم الإنسي سارقًا، أو قاتلًا، أو ظالمًا، أو ربما يكفر بالإسلام، كذلك أيضاً مسلمي الجن، وقد يكون الجن أيضًا عاصيًا يتعمد معصية الله سبحانه وتعالى، وقد يكون جاهلًا بتعاليم الإسلام، ولا يدرك حرمة ما يفعل.

وإن كان الجن مسلمًا بحق ويخاف الله سبحانه وتعالى، فمن المفترض أن يحب الخير لأخيه المسلم الأنسي، ويشاركه عباداته أيضًا،فقد يستمع الجن تلاوة المسلم للقرآن ليلاً، وقد يتواجدون بين المؤمنين في حلقات الذكر أو الدروس الدينية، ويصلي مع المسلم إذا صلى، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر،

وقد يساعد الجن المسلم أيضًا دون أن يلاحظ ذلك، فيوقظه من نومه حتى يلحق بصلاة الفجر، أو يعرقل شرًا يحيط به، ولا يمكن أن يشترك في عمل يؤذيه.

إذًا فالمسلم أخو المسلم، جن كان أو أنسي، فكلانا يجتمع تحت راية الإسلام، وكلانا يتعبد إلى الله سبحانه وتعالى بإقامة نفس الشعائر الدينية.

في النهاية فنحن لا نملك علمًا إلا الذي علمنا إياه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، ونبينا الحبيب -صلى الله عليه وسلم- في أحاديثه ورواياته عن الجن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *