الجن عالم خفي تناقل البشر الأساطير حوله قبل الإسلام، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى تقديسه، وتقديم القرابين لكف أذاه.
وجاء الإسلام بعدها ليكشف جزءًا من ذلك العالم الغامض، ويثبت وجوده، وكذلك إمكانية أذاه، وشرّه.
لكن هل يمكن أن يصل أذى الجني إلى حد تلبس الإنسان؟ وهل الطفل يمس من الجن؟ هذا ما نوضحه في المقال، فتابع معنا.
هل يمكن أن يمس الجن الإنسان؟
أثبت الإسلام وجود الجن، وجعل الإيمان به جزءًا من عقيدة المسلم، وتوالى ذكرهم في الآيات القرآنية حتى بلغت ما يُقارب أربعين موضعاً من كتاب الله تعالى، بل تناولت سورةٌ كاملة أحوالهم وسُمّيتْ باسمهم، وهي سورة الجنّ، فلا ريب أنهم موجودون بجوارنا، ويعيشون معنا.
وكذلك قدرتهم على الأذى من المس، والسحر، وغيرهما، فقد قال الله تعالى: “الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ..” فتشبيه الله للمرابي بالممسوس دليل على وجود المس، وقدرة الجن عليه.
وورد في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم..” فأوّله بعض العلماء على الوسوسة، وأوله آخرون بمسّ الجن للإنسان.
وقال ابن تيمية: “وجود الجن ثابت بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- واتفاق سلف الأمة وأئمتها، وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة.
لكن هل يقتصر المس على البالغين فقط، أم هل الطفل يمس من الجن أيضًا؟
هل الطفل يمس من الجن؟
منذ بدء الخلق؛ تعهد الشيطان بالعداء الدائم لبني آدم، واتبع شتى الوسائل لأذاهم، فيستقبل المولود بالشر من أول ولادته وحتى وفاته، روى البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: “سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: ما مِن بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ إلَّا يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِن مَسِّ الشَّيْطَانِ، غيرَ مَرْيَمَ وابْنِهَا” ثم يقول أبو هريرة: {وإنِّي أُعِيذُها بك وذُرِّيَّتَها من الشَّيطان الرَّجِيمِ}
فيبدأ أذى الشيطان للإنسان بطعنه لحظة الولادة، ويستمر في محاولة أذاه كلما سنحت له الفرصة لذلك، ومن تلك الفرص ترك تحصين الطفل الصغير، وعدم ذكر اسم الله جواره، وكذلك فعلُ الصبي لما يضر الجنَّ أو يؤذيه، فحينها يرد له الجن الأذى.
ومما ورد عن النبي في إمكانية أذى الشيطان للأطفال، ما رواه البخاري ومسلم عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ”
وفي الحديث إجابة عن سؤالنا هل الطفل يمس من الجن، فيحذر النبي من ترك الصبيان في الشوارع والطرقات بعد أذان المغرب وحتى العشاء، إذ يمكن أن يصيبهم الجن والشياطين بأذى في ذلك الوقت، لأنها فترة لعب صبيانهم.
ومن ذلك أيضًا ما رواه الإمام أحمد في مسنده: “أنّ امرأة جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- معها صبي لها به لَمَمْ (أي مسٌ من الشيطان)، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أخرج عدو الله أنا رسول الله، قال: فبرئ”.
وهذا نصٌّ صريح، فيه إجابة واضحة على سؤالنا هل الطفل يمس من الجن، لأن الخروج لا يكون إلا لمن كان داخلًا.
ولكن رغم ذلك، فتأويل أي أذىً يصيب الطفل بأنه مسٌ من الشيطان ليس صوابًا، بل قد يتسبب في زرع الوهم داخل الصبي، وبالتالي يضعفه، ويزيد من هشاشته النفسية، مما يسلط الشياطين عليه أكثر.
فبدلًا من شغل نفسك بالسؤال: هل الطفل يمس من الجن؛ بادر بتحصين طفلك لحمايته، وجعله في رعاية الله وحفظه.
فتكون أدعية التحصين رادة لكيد الشيطان، ودافعة لأذاه -في حالة كان الطفل مصابًا بالمس-، إلى جانب أنها تمنع الأذى عن الطفل قبل أن يصيبه -إذا كان معافى-.
فهي تنفع طفلك في جميع الأحوال، وكذلك تنفعك؛ فتثاب عليها من الله أيضًا.
اقرأ أيضًا: ما حقيقة وجود طفل من الجن؟ وكيف نعالج ونقي أنفسنا من مس الجن؟
آيات وأدعية التحصين للأطفال
بعد الإجابة بالإثبات عن سؤال هل الطفل يمس من الجن دعنا نخبرك أن الله جعل لكل ضُرٍّ علاج؛ فلم يخلق داءً إلا خلق له دواء، ومس الجن داء مثل غيره، له دواء يشفيه -بإذن الله- وكذلك له تحصين يمنعه ويقي طفلك منه، ودواؤه الرقية الشرعية، وكما قلنا بدلًا من سؤال نفسك هل الطفل يمس من الجن، ابدأ بتحصينه لوقايته.
تتضمن الرقية تلاوة آيات من القرآن، إلى جانب ترديد بعض الأذكار الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-،
وتفصيلها كالتالي:
1- قراءة سورة الفاتحة
سورة الفاتحة يُستشفى بها من المرض، ومن العين، والمس، وهي تحصين للطفل في جميع الأحوال، ومن الرقية الشرعية التي ثبت إقرارها في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فقد ورد في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: “أن ناساً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا في سفر، فمروا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم فلم يضيفوهم، فقالوا لهم هل فيكم راق؟ فإن سيد الحي لديغ أو مصاب، فقال رجل منهم: نعم، فأتاه فرقاه بفاتحة الكتاب فبرَأ الرجل، فأعطي قطيعًا من غنم فأبى أن يقبلها، وقال: حتى أذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له، فقال: يا رسول الله، والله ما رقيت إلا بفاتحة الكتاب، فتبسم وقال: وما أدراك أنها رقية؟ ثم قال: خذوا منهم، واضربوا لي بسهم معكم”.
2- قراءة آية الكرسي
وردت أحاديث كثيرة في فضل آية الكرسي، وحمايتها للإنسان -بإذن الله- من الشيطان، ومن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها… فخليت سبيله فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك البارحة، قلت: يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله، قال: ما هي، قلت: قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: الله لا إله إلا هو الحي القيوم، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقك وهو كذوب! تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ قال: لا، قال: ذاك الشيطان.
وروي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه صارع جنيًا فصرعه عمر، فقال له الجني: “خل عني حتى أعلمك ما تمتنعون به منا”، فخلى عنه وسأله فقال: “إنكم تمتنعون منا بآية الكرسي”.
3- قراءة المعوذات
ومما يسترقي به المسلم من المس، والعين، قراءة سورة الإخلاص، وسورتي الفلق والناس، فقد روى الترمذي، والنسائي، وابن ماجة عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدريّ -رضي الله عنه- قَالَ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَعَوَّذُ مِنَ الجَانِّ، وَعَيْنِ الإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتِ المُعَوِّذَتَانِ، فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا، وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا”.
وبالتالي فأيًا كانت الإجابة عن سؤال هل الطفل يمس من الجن لا بد من تحصين الطفل بقراءة المعوذات وتحفيظه لهم، حتى يكون قادرًا على تحصين نفسه بهم.
4- باسم الله أرقيك
روى مسلم في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: “أنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فقالَ: يا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ؟ فقالَ: نَعَمْ، قالَ: باسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِن كُلِّ شَيءٍ يُؤْذِيكَ، مِن شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ، أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللَّهُ يَشْفِيكَ، باسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ”
اقرأ أيضًا: الرقية الشرعية للخوف عند الأطفال
5- أعوذ بكلمات الله التامة
“كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول: إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة” رواه البخاري.
6- أعيذك بعزة الله وقدرته من شرّ ما تجد
ورد في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أحس بمرض يضع يده على محل المرض ويقول: “بسم الله ثلاثًا، أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر”، يكررها سبع مرات، وهذا مما يمكنك أن ترقي به طفلك أيضًا.
كانت هذه بعض الأدعية الآيات الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مع التأكيد على أن القرآن كله شفاء، فإن زدت عن ذلك من الآيات والأدعية الصحيحة والثابتة في السنة فهو خيرٌ لك، مع إخلاص النية بأن الله هو الشافي في جميع الأحوال.
الخلاصة
مس الجان حقيقة تقع للبعض، وأقرها الإسلام، ووضع علاجًا واضحًا لها، مع ذلك فالأوهام في هذا الجانب كثيرة، وقد يتغلب الوهم على الحقيقة أحيانًا!
فبدلًا من كثرة الظنون، والتساؤل هل الطفل يمس من الجن أم لا، حصّن نفسك وطفلك بتلاوة الآيات القرآنية والأدعية، الرقية الشرعية، ولن يستطيع الشيطان أن يمسك بضرّ بإذن الله.