«وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا»
القرآن صالح لكل زمان ومكان، ولا يقتصر شفاؤه على شفاء ما يؤذي القلوب، ويثقل الصدور، وإنما أيضًا يشفي الأبدان، فما هي شروط العلاج بالقرآن؟
في هذا المقال نعرض لك أبرزها، تابع معنا.
ما الدلالة على أن العلاج بالقرآن يشفي؟
هناك الكثير من الأدلة في القرآن والسنة تُثبت أن فيه شفاء سواءً كان ذلك للأمراض المعنوية، أو الجسدية، ومن أبرز تلك الأدلة:
دلائل من القرآن عن أن فيه شفاء
- (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) الآية 14 من سورة التوبة.
- (قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ) الآية 57 من سورة يونس.
- (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) الآية 82 من سورة الإسراء.
- (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ) الآية 44 من سورة فصلت.
دلائل من السنة على أن القرآن فيه شفاء
كان النبي صلى عليه وسلم يقرأ على نفسه، وعلى المريض من أهله المعوذات، فقد روى مسلم عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَأَمْسَحُ عَنْهُ بِيَدِهِ، رَجَاءَ بَرَكَتِهَا.
وروى ابن حبان عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَامْرَأَةٌ تُعَالِجُهَا، أَوْ تَرْقِيهَا، فَقَالَ: (عَالِجِيهَا بِكِتَابِ اللَّهِ).
ما شروط العلاج بالقرآن؟
من شروط العلاج بالقرآن، التالي:
1- أن يكون بكلام الله تعالى
وذلك من خلال قراءة القرآن على المريض، وخاصة آيات الشفاء مثل:
- {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (سورة الفاتحة)
- {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} (سورة التوبة الآية رقم 14).
- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} (سورة يونس الآية رقم 57).
- {ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (سورة النحل الآية رقم 69).
- {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} (سورة الإسراء الآية رقم 82).
- {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (سورة الشعراء الآية رقم 80).
- {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} (سورة فصلت الآية رقم 44).
اقرأ أيضًا: فوائد ومعجزات سورة البقرة يوميا | تعرف على 10 منها
2- أن يكون بأسماء الله وصفاته
يُعد الدعاء بأسماء الله، وصفاته، من شروط العلاج بالقرآن، وأيضًا من الأوامر الربانية التي لا بد من العمل بها، فقد قال -سبحانه وتعالى- “وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا” (سورة الأعراف الآية 180).
فالدعاء بأسماء الله الحسنى قد يكون سببًا كبيرًا في الاستجابة، والشفاء بإذن الله، إذ إن به إتمام العبودية لله -سبحانه وتعالى-، ومن أبرز الأدعية بأسماء الله الحسنى للشفاء:
- اللهم إنّي أسألك من عظيم لطفك، وكرمك، وسترك الجميل، أن تشفيه، وتمدّه بالصحّة، والعافية”.
- “اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلا، وبرحمتك التي وسعت كلّ شيء، أن تمنّ علينا بالشفاء العاجل، وألّا تدع فينا جرحًا إلّا داويته، ولا ألمًا إلا سكنته، ولا مرضًا إلا شفيته”.
- “اللهم وألبسنا ثوب الصحة، والعافية، عاجلاً غير آجلًا، وشافنا، وعافنا، وأعفُ عنا، وأشملنا بعطفك، ومغفرتك، وتولّنا برحمتك يا أرحم الراحمين”
- اللهم إني أسألك بأسمائك الطاهرة، الطيبة، المباركة، المحببة إليك، التي إذا دُعيت بها أجبت، وإذا سُئلت بها أعطيت، وإذا استرحمت بها رحمت، وإذا استفرجت بها فرجت.
- اللهم إني أدعوك الله، وأدعوك الرحمن، وأدعوك البر الرحيم، وأدعوك بأسمائك الحسنى كلها، ما علمت منها، وما لم أعلم، أن تغفر لي، وترحمني، وتشفيني شفاءً لا يغادر سقمًا.
3- أن يكون العلاج باللسان العربي، ومفهوم المعنى
من شروط العلاج بالقرآن، أن يكون باللسان العربي سواء كان ذلك العلاج لعربي، أو أعجمي، مع العلم أنه يجوز العلاج بالقرآن باللغات الأخرى، ولكن يستحب العلاج بالعربية، مع توضيح معناها لمن يُقرأ عليه إذا كان أعجميًا.
ومن شروط العلاج بالقرآن الهامة أيضًا، هو أن يكون العلاج بكلام مفهوم المعنى، أي بما في القرآن، والأدعية النبوية، والابتعاد عما دون ذلك، إذ إنه لا يجوز العلاج بالاستغاثة بغير الله، أو اللجوء إلى الجن، أو التمتمة، والهمهمة بصوت منخفض لا يسمعه المريض.
4- ألا تكون وظيفة أحدهم العلاج بالقرآن
وتلك من أهم شروط العلاج بالقرآن، إذ إنه لا ينبغي أن يتفرغ أحد لعلاج الناس بالقرآن، والأذكار وتصبح تلك وظيفته، ويعلن عن نفسه بأنه معالج بالقرآن، أو أنه البديل الشرعي لعلاج الأمراض المستعصية، أو بأن له عيادة قرآنية، ويحدد المواعيد كما لو كان طبيبًا، لكن لماذا؟
لأن من يفعل ذلك يخرج عن نهج الصحابة، والتابعين، والصالحين، فالله -سبحانه وتعالى- أمرنا بأن ندعوه مع الأخذ بالأسباب، فلا يمكن الاستغناء عن العلاج بالطب، ولكن في الوقت ذاته لا يجب الاكتفاء به فحسب، وإنما الاستعانة بالقرآن، والأدعية لتمام الشفاء بإذن الله.
لذا وجب التنبيه بعدم اللجوء لمن يعلن نفسه معالجًا قرآنيًا، لأن هذا الفعل قد يفعله الدجالون، والمشعوذون لإبعاد الشبهات عنهم، وجني الأموال من وراء المرضى.
5- عدم استخدام القرآن بصورة خاطئة
لا يجوز عند العلاج بالقرآن استخدامه بصورة خاطئة، على سبيل المثال: إلصاق أوراق بها آيات من القرآن، أو الأدعية على الجسم، أو على موضع الألم، أو وضعها على الفراش، أو تحته بغرض الشفاء، لأن ذلك يدخل في مسألة تعليق التمائم، وهي من الأمور المنهي عنها، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “من تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فلا أَتَمَّ الله له”
وتعليق التمائم لا يقتصر فقط على البدع، وإنما على الآيات القرآنية أيضًا، لأن من يٌعلّق، أو يحمل معه الآيات بنية الشفاء، من الممكن أن يحملها معه أثناء قضاء الحاجة، والاستنجاء، وهذا محرم تمامًا.
بالإضافة إلى ما ذكره الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين عن جماعة من العلماء، أنه: “لا يجوز تعليق القرآن للاستشفاء به؛ لأن الاستشفاء بالقرآن ورد على صفة معينة، وهي القراءة به، بمعنى أنك تقرأه على المريض؛ فلا نتجاوزها” وهذا من شروط العلاج بالقرآن الهامة الواجب أخذها في الاعتبار.
6- ألا يمس الراقي بدن المرأة
من شروط العلاج بالقرآن أنه إذا كان الراقي رجلًا فلا يجوز له مس بدن المريضة، لأن في ذلك شيئًا من الفتنة، بجانب عدم الضرورة للمس، إذ إنه ليس طبيبًا، فالعلاج بالقرآن لا يتطلب اللمس، وإنما يعتمد على القراءة والنفث.
وبجانب ذلك لا يجوز لمن يعالج بالقرآن أن يختلي بالمريضة نهائيًا، إذ إنه من الضروري أن يكون معها أحد من محارمها، أو أكثر من امرأة، فقد رويّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عدة أحاديث في تلك النقطة مثل: ”لا يَخلوَنَّ أحدُكم بامرأة إلا مع ذي مَحرم” رواه البخاري، ومسلم، وما رواه الطبراني:”إيّاك والخلوةَ بالنِّساء، فوالذي نفسي بيده ما خلا رجل بامرأة إلا دخل الشيطان بينهما”، لذا فمن الأفضل أن تلجأ المريضة إلى امرأة تعالجها بالقرآن لتجنب الشبهات.
تعرف على الفرق بين المشعوذ والراقي الشرعي
وبعد التعرف على شروط العلاج بالقرآن، هل يجوز أن يعالج الإنسان نفسه بنفسه بالقرآن؟
هل من الممكن أن يعالج الإنسان نفسه بالقرآن؟
يجوز أن يعالج الإنسان نفسه بالقرآن، دون الحاجة إلى اللجوء إلى غيره، فيستطيع أن يرقي نفسه متى مرِض ويُرزق الشفاء بإذن الله، فقد كان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يعلّم الناس أجمعين كيفية الدعاء للشفاء، والرقية الشرعية، ولم يأمرهم بالذهاب لمن يرقيهم، فقد ثبت عنه أنه شكا إليه عثمان بن أبي العاص وجعًا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له: “ضع يدك على الذي تألم من جسدك، وقل باسم الله ثلاثًا، وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر” رواه مسلم.
يمكنك أيضًا تحميل برنامج الرقية الشرعية، للانتفاع بها، وتحصين النفس.
في النهاية، مهما تعددت شروط العلاج بالقرآن، يجب أن ندرك جيدًا أن الشفاء لن يتم إلا بأمر الله -سبحانه وتعالى-، وأن المرض من أقداره، وجميع أقدار الله خير، فما لنا إلا أن نصبر ،ونستعن بالمولى، ونحتسب جزاء المرض في الدنيا، أو الآخرة بإذن الله.