يَمُنْ الله على عباده بما شاء من رزقٍ ونِعَم، وذلك لهم من متاع الحياة، ولكن أحيانًا يأتي من ينظر لذلك الرزق بالرغبة والتمني دون أن يبارك، فيتسبب في زوال النعمة وحجب الرزق.
تعرّف في هذا المقال على الحسد في الرزق وكيفية الاحتراز منه، ورقية الحسد في الرزق.
ما هو الحسد في الرزق؟
يُعرف الحسد بأنه تمني زوال رزق الغير، سواء تمنى الحاسد أن يأخذ هذا الرزق لنفسه أم لا، والرزق يكون مالًا أو ميزةً أو أي غرضٍ من أغراض الدنيا، وهذا بخلاف الغِبطة فهي تمني نعمة الغير من غير تمني زوالها، وهذا ما يُسمى بالحسد المحمود.
قال ابن حجر في التفرقة بين العين والحسد: “أَنَّ الْعَيْن تَكُون مَعَ الْإِعْجَاب وَلَوْ بِغَيْرِ حَسَد, وَلَوْ مِنْ الرَّجُل الْمُحِبّ, وَمِنْ الرَّجُل الصَّالِح, وَأَنَّ الَّذِي يُعْجِبهُ الشَّيْء يَنْبَغِي أَنْ يُبَادِر إِلَى الدُّعَاء لِلَّذِي يُعْجِبهُ بِالْبَرَكَةِ, وَيَكُون ذَلِكَ رُقْيَة مِنْهُ”.
وورد الدليل على الحسد في القرآن والسنة الصحيحة وسنذكر لك بعض الأدلة.
دليل الحسد في الرزق من القرآن والسنة
جاءت الكثير من الآيات والأحاديث الصريحة للتدليل على وجود الحسد، وأنه حقٌ ولا ينكره مؤمن، ومما جاء من القرآن الكريم دليلًا على وجود الحسد والعين:
- جاء في الذين ءاتوا الكتاب في القرآن: “أمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيم”
- قول الحق تبارك وتعالى: “وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ”
- قوله تعالى: “وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى”
- رُوي أن سيدنا جبريل أَتَى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ؟ فَقالَ: نَعَمْ قالَ: باسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِن كُلِّ شيءٍ يُؤْذِيكَ، مِن شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ، أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللَّهُ يَشْفِيكَ باسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ”، صحيح مسلم، حديث صحيح.
وبالإضافة إلى ذلك فإن الحسد في الرزق تأثيره مُشاهد بيننا؛ فكم من حوادثٍ شاهدناها وكان سببها إعجابٌ ورغبةٌ في رزق الغير وبعدها يحصل ضرر أو فقد لهذا الرزق، فما أعظم من ذلك يدُلك على الحسد في الرزق؟!
ما هي النظرة الشرعية للحسد في الرزق؟
يعطي الله الرزق لعباده، وهو من يأخذه، وكما قال في حديث قدسي” يا عبادي، لو أن أولكم، وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد؛ فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي شيئاً إلا كما يُنقص المِخْيطُ إذا أُدخل البحر”
يلزم على المؤمن إذا رأى نعمة ورزق مع غيره أن يبارك له عليها، ويذكر اسم الله، وإذا رأى في قلبه إعجابًا بها سأل الله أن يرزقه من فضله، ويعطيه من خزائنه التي لا تنفد.
وأما من يريد الحفاظ على النعم التي أنعم الله عليه بها يستوجب عليه الالتزام بالتحصين عن طريق رقية الحسد في الرزق.
رقية الحسد في الرزق
يجب على المسلم أن يوقن أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، وأن النفع والضُر بيد الله، وما عليه إلا أن يتحصن بالله، ويحافظ على الأذكار والأدعية التي وردت في رقية الحسد في الرزق، وكما قيل “لا يضر الضار إلا إذا أذنت الأقدار”.
ويجب أن يستعد المرء للحسد قبل وبعد وقوعه، فقبلها بالأذكار اليومية وبعدها برقية الحسد في الرزق التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
رقية الحسد في الرزق قبل وقوع الحسد
يرقي المسلم نفسه دائمًا بالأدعية والأذكار الواردة في الصباح والمساء، ويستعيذ بالله من الحسد والعين، ويستر المحاسن التي يخاف عليها من العين، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان”
ومن الآيات والأذكار التي يقولها المؤمن يومًا وتحصنه من الحسد:
آية الكرسي
قال تعالى: “اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيم”.
خواتيم سورة البقرة
قال تعالى: “آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير* لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ”.
سورة الإخلاص
قال تعالى: “قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ”.
سورة الفلق
قال تعالى: “قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ”.
سورة الناس
قال تعالى: “قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ”.
دعاء بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء
“بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم”
دعاء أعوذ بكلمات الله
“أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق” وبالصيغة الأخرى أيضًا: “أعوذ بكلماتِ اللَّه التَّامَّة من كل شيطان وهامَّة، ومن كل عين لامَّة”
رقية الحسد في الرزق بعد وقوع الحسد
إذا تيقن المسلم أنه أصابه الحسد في رزقه فعليه أن يقرأ الرقية الشرعية كاملة على نفسه، أو يسمعها من غيره، ويمكنك قراءة الرقية الشرعية مكتوبة وكاملة من خلال برنامج الرقية الشرعية، وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم لنا أفعالًا مع رقية الحسد في الرزق للاحتراز من حسد ذلك الحاسد.
اقرأ أيضًا: كيف أعرف أن عقد الحسد انفكت؟
ما الذي يفعله المسلم تجاه الحاسد للاحتراز من حسده؟
بعد رقية الحسد في الرزق لو كان المحسود يعلم من حسده، فقد أرشدنا الشرع الشريف لأفعالٍ تؤلف بين القلوب، وتمنع الحقد والضغينة، وتحمي المسلم من الشرور فيما بعد، وتلك الأفعال جمعها ابن القيم رحمه االله في كتاب بدائع الفوائد قال:
يندفع شر الحاسد عن المحسود بعشرة أسباب:
- التعوّذ بالله من شره.
- تقوى الله وحفظه.
- الصبر على عدوِّه.
- التوكل على الله عز وجل.
- فراغ القلب من الانشغال به والتفكير فيه.
- الإقبال على الله والإخلاص له.
- تجريد التوبة إلى الله عز وجل.
- الصدقة والإحسان إليه ما أمكنه.
- إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه.
- تجريد التوحيد.
ختامًا، إن الحسد شديدٌ على النفس، وهو سهام تُنذر بزوال النعمة إن لم تُحصّن نفسك بالله وبما تعلم من رقية الحسد في الرزق، فلا تتهاون ولا تتباهى بما تملك حتى لا تزرع في قلب غيرك الحسد وتتضرر بفقدان النعمة.