يتنوع الجن، وتختلف دياناتهم وطوائفهم، فمنهم المسلم، والكافر، واليهودي، والجن النصراني، فقد قال الله -تعالى- على لسان أحد الجن: “وَأَنّا مِنّا الصّالِحُونَ وَمِنّا دُونَ ذَلِكَ كُنّا طَرَآئِقَ قِدَداً”، وفي آية أخرى: “وَأَنّا مِنّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرّوْاْ رَشَداً”.
ووقوع الأذى وارد من جميع طوائفهم، إلا الجن المسلم الصالح، ولكل طائفة من الجن أعراض تصاحب مسهم للإنسان، وكذلك علاج من القرآن والأذكار لردعهم، وكف أذاهم.
في هذا المقال نوضح لك أدلة اختلاف ديانات الجن، ونساعدك في التعرف على أحد أنواعهم، وهو الجن النصراني، فتابع معنا.
اختلاف ديانات الجن ومذاهبهم
ينقسم الجن إلى طوائف شتى، فمنهم المسلم، والكافر، والمجوسي، والجن النصراني، واليهودي، وحتى أصحاب الديانة الواحدة منهم قد تختلف مذاهبهم، ويدل على ذلك الكثير من الآيات القرآنية، والأحاديث، والآثار المنقولة عن الصحابة والتابعين، ومنها:
1- الأدلة من القرآن
تتعدد آيات القرآن التي تحكي عن اختلاف طوائف الجن، ووقوع الإيمان والكفر منهم، ومن ذلك ما ورد في سورة الجن عن استماع طائفة منهم للقرآن، وإيمانهم بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.
يقول تعالى في بداية السورة: “قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا”، والإيمان لا يكون إلا بعد الكفر، فدل ذلك على تعدد شرائعهم مثل البشر.
وقوله تعالى في نفس السورة على لسان الجن: “إِنَّا سَمِعنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعدِ مُوسَى..” فتدل الآية على دعوة الرسل لهم، واختلاف دياناتهم وفقًا لذلك.
وكذلك قول الله تعالى في سورة الأعراف: “قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا”، فيقول الإمام البغوي في تفسير “كلما دخلت أمة لعنت أختها” أي: أختها في الدين لا في النسب، فتلعن اليهود اليهود، والنصارى النصارى، وكل فرقة تلعن أختها، ويلعن الأتباع القادة.
2- الأدلة من السنة
روى مسلم في صحيحه، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “ما منكم من أحد إلا ومعه قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: وأنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم”، ويدل هذا أيضًا على اختلاف الديانة من جني لآخر، فيكون بينهم الجن النصراني، والمسلم، واليهودي، والكافر، وغير ذلك.
3- الآثار
وردت آثار كثيرة عن الصحابة والتابعين توضح اختلاف ديانات الجن، وحتى تعدد المذاهب في الدين الواحد، ومنها ما رُوي عن الأعمش أنه قال: “تروح إلي جني فقلت له ما أحب الطعام إليكم؟ فقال: الأرز، قال: فأتيناهم به، فجعلت أرى اللقم ترفع ولا أرى أحدًا، فقلت: فيكم من هذه الأهواء التي فينا؟ قال: نعم، فقلت: فما الرافضة فيكم؟ قالوا: شرنا.
والمقصود بالأهواء هنا المذاهب، والطوائف، والديانات، فيكون بينهم الجن النصراني، والمسلم، والكافر.
لكن هل تكون صفاتهم واحدة على اختلاف دياناتهم، أم تختلف تلك الصفات من طائفة لأخرى؟ وما صفات النصارى منهم؟
صفات الجن النصراني وأسباب أذيته للإنسان
النصراني هو من أخبث وأشرس أنواع الجن، وأكثرهم انتشارًا في بلادنا، ويتسلط على الإنسان -غالبًا- بسبب السحر.
والسحر الذي يُسخر فيه جن نصراني يكون من أفتك أنواع السحر، وأصعبها في العلاج، إذ عادةً يُعقد هذا النوع من كهنة الكنيسة، ويُدفن في مقابر النصارى، فيصعب الوصول إليه وفكه.
إلى جانب أن السحرة المسخِرون للجن النصراني في معظم الحالات يستعينون بمردة وجبابرة الجن، ويعقدون السحر السفلي، ولا يكتفون بهذا بل يأخذون العهد على الجن بقتله أو حرقه إن أخطأ، أو فشل بعمله، أو أفشى أية معلومات عن مكان السحر، أو الساحر.
كذلك ينفذ بعض السحرة ما هو أخطر، فيكبلون الجني ببعض العزائم، والتعاويذ السحرية، ويعقدون لسانه فلا يستطيع النطق والبوح بسرهم، حتى يظل المسحور مرهونًا بأذاهم، ولا يجد سبيلًا للعلاج.
وتشتد الأعراض على المصاب بأذى من الجن النصراني، فتجتمع عليه الأعراض الجسدية، والنفسية، ويحاولون فتنه عن دينه، وتبشيره بالنصرانية.
أعراض تدل على الإصابة من جن نصراني
تتعدد أغراض الساحر المسخِر للجن النصراني، لكن أخبثها فتن المسلم عن دينه، ومحاولة تنصيره، فتكون أشد أعراض ذلك النوع على المصاب هي المتعلقة بوساوس الديانة، وإيقاع الشك في نفسه عن صحة وجود الله، ووحدانيته.
إلى جانب وجود عدة أعراض تدل على الإصابة من الجن النصراني، ومنها:
- رؤية المريض ما يدل على الديانة النصرانية.
- كراهية المصاب للإسلام، ورفض ذكره.
- تنميل في الجانب الأيسر من الجسم.
فإن راودتك تلك الوساوس فاستعذ بالله منها ولا تعد إليها كما ذكر لنا النبي -صلى الله عليه وسلم-: “يأتي الشيطان أحدَكم فيقول: مَن خلق كذا، مَن خلق كذا، حتَّى يقول: مَن خلق ربَّك؟ فإذا بلغ ذلك فلْيستعِذْ بالله ولْيَنْتَهِ”.
فإن شق عليك الأمر، وزادت الوساوس، واشتدت حدة الأعراض فلم تندفع بالاستعاذة؛ حينها تكون الرقية الشرعية هي علاجك -بإذن الله-.
اقرأ أيضًا: كيفية التخلص من الوسوسة
رقية الجن النصراني
أكثر ما يندفع به الجن، خاصةً النصراني كلمات التوحيد، فقد روى أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “من قال في يوم مائة مرة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كانت له حرزاً من الشيطان يومه كله”.
وكذلك يندفع بكثرة ترديد الأذان، فعن زيد بن أسلم أنه ولي معادن فذكروا له كثرة الجن، فأمرهم أن يؤذنوا كل وقت ويكثروا من ذلك، فلم يكونوا يرون بعد ذلك شيئاً.
وأمر ابن عباس رجلاً وجد في نفسه شيئاً من الوسوسة والشك أن يقرأ قول الله تعالى: “هُوَ الأَوَلُ والآخِرُ والظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيم”.
فمواظبة المصاب على ترديد الأذكار الدالة على وحدانية الله يُضعف الجن النصراني، وقد يدعوه إلى الإسلام أيضًا، فإن لم يرتدع عنك بذلك؛ فآيات الرقية وعلاج السحر والمس ستفيدك، ومنها:
سورة البقرة
فلا يستطيع السحرة الإضرارِ بمن تحصّن بهذه السورة العظيمة، روى مسلم في صحيحه عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “اقرءوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البَطَلَة”، أي: السحرة.
وفي حديثٍ آخر يقول -صلى الله عليه وسلم-: “لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة”، ويقول أيضًا: “من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كَفَتَاه”.
وروى البخاري في صحيحه ما ورد من قصة أبي هريرة -رضي الله عنه- مع الشيطان إذ قال له: “إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسى، لن يزال معك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح”، وأقرّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بصحّة ذلك وقال: “صدَقَك وهو كذوب”.
أول الصافات وآخر الحشر
من أعظم ما ينفع في رقية الجن النصراني؛ قراءة أول سورة الصافات، وآخر سورة الحشر، فقد روى ابن ماجة عن أبي ليلى قال: “كنت جالسا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه أعرابي فقال: إن لي أخًا وجعا، قال: ما وجع أخيك؟ قال: به لمم”، -أي سحر أو مس- “قال: اذهب فأتني به، قال: فذهب فجاء به فأجلسه بين يديه فسمعته عوذه بفاتحة الكتاب…” حتى قال: “وعشر آيات من أول الصافات، وثلاث آيات من آخر الحشر، وقل هو الله أحد والمعوذتين، فقام الأعرابي قد برأ ليس به بأس”.
آيات السحر
ترديد آيات السحر بالقرآن تساعدك في رقية الجن النصراني، روى ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن ليث بن أبي سليم قال: بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله، وهم:
الآية التي في سورة يونس: “فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ”.
وقوله تعالى: “فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ” وحتى قوله تعالى “قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ” [لأعراف:118-121]، وقوله في سورة طه: “إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى”.
المعوذتان والإخلاص
يدل على ذلك ما سبق ذكره في الحديث الذي رواه ابن ماجة، وكذلك ما روته السيدة عائشة -رضي الله عنها- قالت: “كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بقل هو الله أحد وبالمعوذتين جميعًا، ثم يمسح بهما وجهه، وما بلغت يداه من جسده” قالت عائشة: “فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به”.
فإن واظبت على ترديد الآيات السابقة، وألححت معها في الدعاء؛ لن يقدر عليك جن نصراني مهما كانت قوته.
ختامًا، الجن النصراني من أشد أنواع الجن وأشرسها، وتأثيره عظيمٌ إن لم تحاول ردعه، إذ لا تقتصر أعراضه على المشكلات النفسية، والجسدية، بل تمتد إلى التشكيك في أصول العقيدة، ومحاولة تنصير المصاب وفتنه عن دينه.
مع ذلك؛ فالرقية الشرعية بالقرآن أقوى منه، ورادعة لشره ومكره -بإذن الله- إن واظبت عليها.